فقام إليه ساداتهم وشيوخهم فقبّلوا يديه ورجليه ثم قالوا : رضينا بالله وعنه وبرسوله وعنه ، وهذه أموالنا بين يديك ، فان شئت فاقسمها على قومك. وإنمّا قال من قال منا على غير وغر صدر وغلّ في قلب (ضغن وعداوة) ولكنّهم ظنّوا سخطا عليهم وتقصيرا بهم. وقد استغفروا الله من ذنوبهم فاستغفر لهم يا رسول الله. فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار. ثم قال لهم : يا معشر الأنصار ، أما ترضون أن يرجع غيركم بالشاء والنعم وترجعون أنتم وفي سهمكم رسول الله؟! قالوا : بلى رضينا.
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : الأنصار كرشي وعيبتي (بطانتي وموضع سرّي) لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار. ثم قال : اللهم اغفر للأنصار (١).
وروى ابن اسحاق الخبر بسنده عن أبي سعيد الخدري ، عنه صلىاللهعليهوآله قال في آخره للأنصار : أوجدتم ـ يا معشر الأنصار ـ في أنفسكم في لعاعة من الدنيا (٢) تألّفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم؟! ألا ترضون ـ يا معشر الأنصار ـ أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟! فو الذي نفس محمد بيده لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار. قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم (بدموعهم) وقالوا : رضينا برسول الله قسما وحظّا (٣).
__________________
(١) الإرشاد ١ : ١٤٥ ، ١٤٦.
(٢) لعاعة : من البقول الناعمة ، شبّه بها خضرة الحياة الدنيا.
(٣) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ١٤١ ـ ١٤٣ ورواه الطبرسي في مجمع البيان ٥ : ٣٠ ، ٣١ رفعه عن أبي سعيد الخدري.