وكان في الوفد عمّ النبيّ صلىاللهعليهوآله من الرضاعة ، فقال له يومئذ : يا رسول الله ، إنّما في هذه الحظائر من كان يكفلك من عمّاتك وخالاتك وحواضنك ، حضنّاك في حجورنا وأرضعناك بثدينا. ولقد رأيتك مرضعا فما رأيت مرضعا خيرا منك ، ورأيتك فطيما فما رأيت فطيما خيرا منك ، ثم رأيتك شابّا فما رأيت شابّا خيرا منك. وقد تكاملت فيك خلال الخير ، ونحن مع ذلك أهلك وعشيرتك ، فامنن علينا منّ الله عليك! فقال لهم رسول الله : قد أستأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون ، وقد قسم السبي وجرت فيه السهمان (١) وإن أحسن الحديث أصدقه .. فأبناؤكم ونساؤكم أحبّ إليكم أم أموالكم؟ (٢) أو قال : أي الأمرين أحبّ إليكم : السبي أو الأموال؟ فقالوا : يا رسول الله ، خيّرتنا بين الحسب وبين الأموال ، والحسب أحبّ إلينا. فقال رسول الله : أما الذي لبني هاشم فهو لكم ، وسوف اكلّم لكم المسلمين وأشفع لكم ، فكلّموهم وأظهروا إسلامكم. فلما صلى صلىاللهعليهوآله الظهر قاموا فتكلّموا (٣).
وذهبت رواية الطبرسي في «إعلام الورى» إلى أن اخته الشيماء بنت حليمة كانت راجعة إليه مع الوفد ، وإنّها كلّمته معهم في ذلك ، فقال لها : أما نصيبي ونصيب بني عبد المطّلب فهو لك ، وأمّا ما كان للمسلمين فاستشفعي بي عليهم. فلما صلوا الظهر قامت فتكلّمت ، وتكلّموا ، فوهب لها الناس ذلك.
وقد كان رسول الله قسم منهنّ ما شاء الله ، فوقعن في أنصباء الناس ، فلم يأخذهن منهم إلّا بطيبة نفس ، ولو لا أن النساء وقعن في القسمة لوهبهنّ كما وهب ما لم يقع في القسمة منهنّ (٤).
__________________
(١) مغازي الواقدي ٢ : ٩٥٠.
(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٩٥١.
(٣) مجمع البيان ٥ : ٣١ عن أهل السير ، وفاقا لما في السيرة والمغازي.
(٤) إعلام الورى ١ : ٢٤٠. والأخير في السيرة ٤ : ١٣٢.