ولعلّه سمع بوعيد النبيّ وتهديده لهم فتأثّر به ، فخرج إليه ليسلم. قال الواقدي : يقال : إنّه لحق به بين مكة والمدينة فأسلم ، والأثبت أنه قدم المدينة فأسلم ، (فلعلّه كان في شهر ذي الحجة أواخر السنة الثامنة للهجرة).
وكان الرجل يرى نفسه مهيبا عندهم يقول : لو وجدوني نائما ما أيقظوني! ومحبوبا جدّا يقول : يا رسول الله لأنا أحبّ إليهم من أبكار أولادهم! وكان سبّاقا إلى كل شيء ، فأراد أن يسبقهم إلى الإسلام ، ودعوتهم إليه ، فقال للنبيّ : يا رسول الله ، ائذن لي أن أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام ، فو الله ما رأيت مثل هذا الدين ذهب عنه ذاهب : فأقدم على أصحابي وقومي بخير قادم ، وما قدم وافد قطّ على قومه بمثل ما قدمت به! وقد سبقت في مواطن كثيرة يا رسول الله.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنهم إذا قاتلوك! قال : يا رسول الله ، لأنا أحبّ إليهم من أبكار أولادهم! فلم يأذن له.
ثم استأذنه ثانية ، فأعاد عليه كلامه الأول. فقال : يا رسول الله ، لو وجدوني نائما ما أيقظوني! فلم يأذن له.
ثم استأذنه ثالثة ، فقال صلىاللهعليهوآله : إن شئت فاخرج. فطار إلى الطائف مسرعا في خمسة أيام ، فقدمها عشاء.
وكانوا إذا قدموا من السفر بدءوا بآلهتهم اللات وحلقوا رأسهم عندها ، فلم يفعل.
فجاؤوه وحيّوه بتحيتهم : أنعم مساء! فلم يرد عليهم بمثلهم ولم يقل : عليكم السلام ، ولكنّه قال : عليكم تحية أهل الجنة! ثم قال لهم : يا قوم ، أتتّهمونني؟ ألستم تعلمون أني أوسطكم (أشرفكم) نسبا! وأكثركم مالا! وأعزّكم نفرا! فما حملني على الإسلام إلّا أني رأيت أمرا لا يذهب عنه ذاهب! فاقبلوا نصحي ولا تستعصوني! فو الله ما قدم وافد على قوم بأفضل مما قدمت به عليكم! فقالوا : إنّك حيث لم تقرب الربّة اللات ولم تحلق رأسك عندها قد وقع في أنفسنا أنّك قد صبوت (ملت إلى الإسلام) فنالوا منه وآذوه ، فحلم عليهم.