وفي شأن نزول الآيتين روى الكليني في «الكافي» عن الباقر عليهالسلام قال : استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة ـ وكان النساء يتقنّعن خلف آذانهنّ ـ فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق بني (فلان ، سمّاه الإمام ونسيه الراوي : سعد الإسكاف) وجعل ينظر خلفها ، فاعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشقّ وجهه ، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره فقال : والله لآتينّ رسول الله ولاخبرنّه. فلما رآه رسول الله صلىاللهعليهوآله قال له : ما هذا؟ فأخبره فهبط جبرئيل بهذه الآية : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ)(١).
ولو أنّ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح فليس من ممتنع الجمع أن نجمع في سبب نزول آيتي الحجاب بين ما جاء في هذا الخبر عن الباقر عليهالسلام وبين أن يكون ذلك أيضا بمناسبة قضيّة مارية القبطيّة.
ولعلّه يصلح شاهدا لهذا الجمع : ما جاء في تعداد المحارم في الآية : (... أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ ...) وقد روى الطوسي عن الشعبي وعكرمة في قوله : (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) قالا : هو العنّين الذي لا حاجة له في النساء لعجزه (٢) وروى الطبرسي عن الشافعي : أنه المجبوب أو الخصيّ الذي لا رغبة له فيهن (٣) وقد رووا أنّ خادم مارية الذي كان يدخل إليها كان خصيبا أو مجبوبا أو ممسوحا أو له هدبة أي لحمة صغيرة ، أو لم يكن له ما للرجال ، على اختلاف ألفاظ الأخبار فيه.
__________________
(١) عن الكافي في الميزان ١٥ : ١١٦.
(٢) التبيان ٧ : ٤٣٠.
(٣) مجمع البيان ٧ : ٢١٨.