وكذلك عن أول صلاة جمعة صلّاها هو بعد هجرته إليها وخطبتيه لها (١) فالفاصل الزمني بين ذلك وبين نزول السورة اليوم أكثر من ثماني سنين ، وعليه فآية النداء لصلاة الجمعة فيها التاسعة منها ليست من آيات الاحكام بمعنى التشريع التأسيسي ، وإنمّا التأكيدي (٢) فهي من التشريعات بالسنة سابقة الكتاب.
والآيات السوابق في السورة ليست في صلاة الجمعة ، بل الثلاث الاول في بعثته صلىاللهعليهوآله ، ومن الخامسة حتى الثامنة في محاجّة اليهود ولا سيّما أحبارهم حملة التوراة ، مما يرجّح في الظن أن يكون نزولها الى ما قبل الانتهاء منهم في الحروب معهم : بني قريظة والنضير وقينقاع وأخيرها قلاع خيبر السبعة وفدك ووادي القرى وتيماء في أوائل السابعة ، فبين آخرها ونزول السورة في أوائل التاسعة سنتان ، فهل يناسب نزولها اليوم؟! وهل تناسب الآيات الثلاث الأواخر بشأن صلاة الجمعة؟
أجل ، حاول توجيه ارتباطها بما قبلها الآلوسي في «روح المعاني» ونقله الطباطبائي في «الميزان» وقال : وأنت خبير بانّه تحكم لا دليل عليه من جهة السياق (٣) وقبل ذلك ذكر هو وجها لاتّصال الآية بما قبلها ، كذلك لم نجد من السياق دليلا عليه.
وفي الآية الأخيرة الحادية عشرة والخاتمة للسورة قوله سبحانه : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) روى الطوسي عن الحسن ومجاهد عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : بعد ما أصابت المدينة مجاعة ، قدم دحية بن خليفة الكلبي
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٤٣١ ، ٤٣٢.
(٢) انظر التعبير بالتأكيد في الميزان ١٩ : ٢٧٣.
(٣) الميزان ١٩ : ٢٦٦ و ٢٦٧.