وبعث علي عليهالسلام نفرا منهم أبو نائلة وأبو قتادة والحباب بن المنذر ليتقصّوا ما حولهم ، فأصابوا الغلام الأسود ، فقالوا له : ما أنت؟ قال : أطلب بغيتي! فكتفوه واتوا به عليا عليهالسلام فقال له : ما أنت؟ قال : باغ! فشدوا عليه فقال : أنا غلام لرجل من طيّء من بني نبهان أمرني بهذا ، فلما رأيتكم أردت الذهاب إليهم ولكنني قلت في نفسي : لا أعجل حتى آتي أصحابي بخبر بيّن من عددكم وعدد خيلكم وركابكم ، فكأني كنت مقيدا حتى أخذتني طلائعكم.
فقال له علي عليهالسلام : اصدقنا ما وراءك؟ قال : أوائل الحيّ على مسيرة ليلة طويلة ، تصبحهم الخيل بالغارة غدوة. فقال علي عليهالسلام لأصحابه : ما ترون؟ فقال له صاحب لوائه جبّار بن صخر : نرى أن ننطلق على متون الخيل ليلتنا هذه حتى نصبّح القوم وهم غافلون فنغير عليهم. ونخلّف حريثا الدليل مع العسكر ليلحقنا بهم ، إن شاء الله.
فركب فرسانهم الأفراس واردفوا معهم العبد الأسود أسلم مكتوفا ، فلما اوغلوا في الطريق ادّعى أنه قد أخطأ الطريق وتركه وراءه ، فقال علي عليهالسلام : فارجع الى حيث اخطأت ، فرجع ميلا أو أكثر فقال : أنا على خطأ! فقال له علي عليهالسلام : إنا منك على خدعة ، ما تريد إلّا أن تثنينا عن الحيّ ، لتصدقنا أو لنضربنّ عنقك ، وسلّ السيف على رأسه ، فلما رأى الشرّ قال : فان صدقتكم نفعني ذلك؟! قالوا : نعم. فقال : فأنا أحملكم على الطريق ، والحي قريب منكم.
فخرج معهم حتى انتهى بهم الى ادنى الحيّ ، فقال لهم : هذه الأصرام ، أي الجموع ، وهم على فرسخ (٥ كم) فقالوا : فأين آل حاتم؟ قال : هم متوسطو الأصرام.
فقال بعضهم لبعض : إن أفزعنا الحيّ تصايحوا وأفزع بعضهم بعضا فتغيب عنا أحزابهم في سواد الليل ، ولكن نمهل القوم حتى يطلع الفجر قريبا فنغير عليهم ، فان أنذر بعضهم بعضا لم يخف علينا أين يأخذون ، ونحن على متون الخيل ولا خيل لهم يهربون عليها.