وذلك انّه صلىاللهعليهوآله علم خبث نيات الأعراب وكثير من اهل مكة ومن حولها ممن غزاهم وسفك دماءهم ، فاشفق أن يطلبوا المدينة عند خروجه نحو بلاد الروم ، فاذا لم يكن فيها من يقوم مقامه لم يأمن من معرتهم وفسادهم في دار هجرته ، وعلم انّه لا يقوم مقامه في إرهاب العدو وحراسة دار الهجرة ومن فيها إلّا أمير المؤمنين عليهالسلام ، فاستخلفه عليها.
وتظافرت الرواية : بأن أهل النفاق لما علموا باستخلاف رسول الله صلىاللهعليهوآله عليا عليهالسلام على المدينة علموا أنه لا يكون للعدو فيها مطمع ... وهم كانوا يؤثرون خروجه معه لما كانوا يرجونه عند بعد النبي عن المدينة من الاختلاط ووقوع الفساد. فساءهم ذلك ، وعظم عليهم مقامه فيها بعد خروجه ، فحسدوه لذلك ، وغبطوه بمقامه في أهله بالدعة والرفاهية ، وتكلّف من خرج منهم السفر والخطر ... فأرجفوا به عليهالسلام وقالوا : لم يستخلفه رسول الله إكراما وإجلالا ومودّة ، وانما خلّفه استثقالا له. فلما بلغ أمير المؤمنين عليهالسلام إرجاف المنافقين به ، أراد تكذيبهم واظهار فضيحتهم ، فلحق به صلىاللهعليهوآله وأبلغه مقال المنافقين ، وأجابه صلىاللهعليهوآله بحديث المنزلة (١).
فقال علي عليهالسلام : قد رضيت ، قد رضيت. ثم رجع الى المدينة (٢).
__________________
ـ ابراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد. ولم ينقله الواقدي.
(١) الارشاد ١ : ١٥٥ ، ١٥٦ بتصرف.
(٢) إعلام الورى ١ : ٢٤٤. وأكثر من ذكر حديث المنزلة هذا اكتفى به ولم يذكر أنه صلىاللهعليهوآله استخلف مع علي عليهالسلام أحدا سواه ، وكذلك فعل ابن اسحاق في السيرة ٤ : ١٦٣ لكن ابن هشام فيها ٤ : ١٦٢ قدم ذكر استعماله عليها محمّد بن مسلمة الأنصاري وروى في خبر آخر : سباع بن عرفطة الغفاري. وأغرب الواقدي فلم يرو حديث المنزلة لعلي عليهالسلام أصلا! واكتفى بذكر استخلاف الغفاري وقال : وقيل : محمّد بن مسلمة ٣ : ٩٩٥. وجاء في الديوان المنسوب الى علي عليهالسلام أنه قال في ذلك شعرا : ـ