عليه : سألنا تحريم الخمر والزنا ، وأن نبطل أموالنا في الربا ، وأن نهدم الربّة! فابينا عليه. ولما دنوا منهم ورأوا ثقيفا قد خرجت إليهم تغشّوا بثيابهم كمكروبين لم يرجعوا بخير ، فلما رآهم اهلهم حزنوا وقالوا : ما جاء وفدكم بخير!
ودخل الوفد فبدؤوا باللات على عادتهم ، ثم رجعوا الى أهاليهم.
فأتى جمع منهم الى رجال منهم وسألوهم : ما ذا رجعتم به؟ فقالوا : جئناكم من عند رجل فظّ غليظ ، يأخذ من أمره ما شاء ، قد ظهر بالسيف وأداخ العرب ودان له الناس ، ورعبت منه بنو الاصفر في حصونهم ، والناس فيه اما راغب في دينه وامّا خائف من السيف! فعرض علينا امورا شديدة أعظمناها ، فتركناها عليه ، حرّم علينا الربا والخمر والزنا ، وان نهدم الربّة! فكرهنا ذلك وأعظمناه ، ورأينا انه لم ينصفنا ، فأصلحوا سلاحكم ، ورمّوا حصنكم وانصبوا عليه العرّادات والمنجنيقات ، وادّخروا طعام سنة أو سنتين فانه لا يحاصركم اكثر من سنتين ، واحفروا خندقا (!) من وراء حصنكم ، وعاجلوا ذلك فان أمره قد أظلّ لا نأمنه! فخوّفوهم بالحرب والقتال كما امرهم عبد ياليل.
فمكثوا يوما او يومين ثم عادوا إليهم وقالوا لهم : ما لنا به من طاقة قد أداخ كل العرب ، فارجعوا إليه فاعطوه ما سأل وصالحوه ، واكتبوا بينكم وبينه كتابا قبل أن يسير إلينا أو يبعث بجيشه!
وقالوا لهم : فانّا قد قاضيناه وأعطانا ما أحببناه وشرط لنا ما أردنا ، ووجدناه أتقى الناس وأبرّ الناس وأوصل الناس وأوفى الناس وأصدق الناس وارحم الناس! ولما أبينا هدم الربّة تركنا منه وقال : أبعث من يهدمها!
فقال شيخ منهم : فذاك ـ والله ـ مصداق ما بيننا وبينه! ان قدر على هدمها فهو محقّ ونحن مبطلون ، وان امتنعت ... (١).
__________________
(١) مغازي الواقدي ٢ : ٩٧٠.