الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأجالوا الرأي فاتّفقوا على أن ينفروا بالنبي ناقته على عقبة هرشى ـ وقد صنعوا مثل ذلك في غزاة تبوك فصرف الله الشر عن نبيّه ـ وكانوا أربعة عشر رجلا.
وسار رسول الله صلىاللهعليهوآله من الغدير باقي يومه وليلته حتى إذا دنوا من العقبة تقدّمه القوم فتواروا في ثنية العقبة ، وقد حملوا معهم دبابا وطرحوا فيها الحصى.
قال حذيفة : ودعاني رسول الله ودعا عمار بن ياسر وأمره أن يسوق ناقته وأنا أقودها ، حتى إذا صرنا في رأس العقبة وكانت ليلة مظلمة غار القوم من ورائنا ودحرجوا الدباب بين قوائم الناقة ، فذعرت وكادت أن تنفر برسول الله ، فصاح بها النبي : أن اسكني وليس عليك بأس ... وتقدّم القوم الى الناقة ليدفعوها ، فأقبلت أنا وعمار نضرب وجوههم بأسيافنا ... فزالوا عنّا وأيسوا مما ظنّوا ودبّروا.
فقلت : يا رسول الله ، ألّا تبعث عليهم رهطا فيأتوا برءوسهم؟! فقال : إنّ الله أمرني أن أعرض عنهم ، وأكره أن يقول الناس إنّه دعا اناسا من قومه وأصحابه الى دينه فاستجابوا له فقاتل بهم حتى ظهر على عدوّه ، ثم أقبل عليهم فقتلهم! ولكن يا حذيفة دعهم فإن الله لهم بالمرصاد ، وسيمهلهم قليلا ثم يضطرّهم الى عذاب غليظ.
وكان عدد القوم أربعة عشر رجلا : تسعة من قريش منهم معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ، وخمسة من سائر الناس : أبو موسى الأشعري وأبو هريرة الدوسي وأبو طلحة الأنصاري وأوس بن الحدثان البصري والمغيرة بن شعبة الثقفي ، ثم تعاقد معهم عليه سالم مولى أبي حذيفة عبد لامرأة من الأنصار شديد البغض والعداوة لعلي عليهالسلام وقد عرف منه ذلك.
قال ابن اليماني : ثم انحدرنا من العقبة وقد طلع الفجر ، فنزل رسول الله صلىاللهعليهوآله فتوضأ ثم انتظر أصحابه حتى انحدروا من العقبة واجتمعوا ، فرأيتهم بين الناس ،