قال الحجّاج : فخرجت ، حتى إذا قدمت مكة ، وجدت في ثنيّة البيضاء (١) رجالا من قريش .. قد بلغهم أن رسول الله قد سار إلى خيبر ، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز ريفا ومنعة ورجالا ، فكانوا يسألون الركبان يتسمّعون الأخبار ويتحسسونها. ولم يكونوا علموا بإسلامي ، فلما رأوني قالوا : الحجّاج بن علاط ، عنده والله الخبر .. يا ابا محمد ، إنّه بلغنا أن القاطع (٢) قد سار إلى خيبر ، وهي بلد يهود وريف الحجاز ، فأخبرنا! فقلت : قد بلغني ذلك ، وعندي من الخبر ما يسرّكم! فالتبطوا (٣) بجنبي ناقتي يقولون : ايه يا حجّاج! فقلت : هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ، وقتل أصحابه قتلا لم تسمعوا بمثله قط ، واسر محمد أسرا وقالوا : لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم! (٤). وقلت : لم يلق محمد وأصحابه قوما يحسنون القتال مثل أهل خيبر ، قد ساروا في العرب حتى جمعوا عشرة آلاف ، فهزم هزيمة لم يسمع قط بمثلها .. ولهذا فإنهم يرجعون إليكم يطلبون الأمان في عشائرهم ويرجعون إلى ما كانوا عليه ، فلا تقبلوا منهم وقد صنعوا بكم ما صنعوا! (٥). وقلت : أعينوني على جمع مالي بمكة ، وعلى غرمائي ، فانّي اريد أن أرجع إلى خيبر فاصيب من فلّ محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك! فقاموا ، وصاحوا بمكة : قد جاءكم الخبر : هذا محمد انما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم! وجمعوا مالي كأحثّ جمع سمعت به.
__________________
(١) ثنيّة البيضاء هي ثنيّة التنعيم ـ كما في معجم البلدان ـ والتنعيم اوّل الحرم بمكة.
(٢) أي القاطع للرحم ، كانوا يطلقون ذلك على رسول الله!
(٣) التبطوا : أي أطافوا بجانبي ناقتي مزدحمين ولذلك كانوا يتعثرون في مشيهم حولي.
(٤) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٦٠.
(٥) مغازي الواقدي ٢ : ٧٠٣.