فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : «أيها الناس ، أنفذوا بعث اسامة ، فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله ، وإنّه لخليق للإمارة وإن كان أبوه لخليقا لها» ثم نزل صلىاللهعليهوآله.
فخرج اسامة وخرج معه جيشه حتى نزلوا الجرف على فرسخ من المدينة فضرب عسكره هناك وتتام إليه الناس. واستعزّ برسول الله وجعه وثقل ، فأقام اسامة والناس لينظروا كيف يكون.
ثم روى عن اسامة قال : لما ثقل رسول الله رجعت ورجع الناس معي الى المدينة ، فدخلت عليه وقد اصمت فلا يتكلم ، فجعل يرفع يده الى السماء ثم يصبّها علي ، فعرفت أنّه يدعو لي (١).
وقال الواقدي : أمر رسول الله الناس (كذا) بالتهيّؤ لغزو الروم ، وأمرهم بالاسراع في غزوهم ، فتفرّق المسلمون (!) من عند رسول الله وهم مجدّون في الجهاد. ثم لم يخص المهاجرين ولم يصرح بالأنصار مع عموم الكلام. بل أولى عنايته بذكر تفاصيل الأخبار ولا سيما في تواريخها ، فبدأ الخبر بقوله : لما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من شهر صفر سنة إحدى عشرة ... فلما أصبح رسول الله من الغد : يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر ، دعا اسامة بن زيد فقال له : يا اسامة ، سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي الى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل ، فقد ولّيتك على هذا الجيش ، فأغر صباحا على أهل ابنى وحرّق عليهم ، وأسرع السير تسبق الخبر ، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم ، وخذ معك الأدلّاء وقدّم العيون أمامك والطلائع.
__________________
(١) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ٢٩٩ ، ٣٠٠ و ٣٠١.