وكان منزله في حمص ، فلما بلغه أن صليبه قد استنقذ له ، خرج منها يمشي على قدميه ليصلّي في بيت المقدس متشكرا لله (١) ومعه بطارقته وأشراف الروم ، تبسط له البسط وتلقى عليها الرياحين! حتى انتهى إلى مدينة ايلياء (القدس) فقضى صلاته فيها.
وكانت الملوك تتهادى فيما بينها الأخبار ، فبينما هم كذلك ، إذ أتاه رسول صاحب بصرى برجل من العرب يقوده ، حتى قال لهرقل : أيها الملك ؛ إنّ هذا الرجل من العرب من أهل الشاء والإبل ، يحدّث عن أمر عجب حدث ببلاده ، فسله عنه. فقال هرقل لترجمانه : سله : ما هذا الحدث الذي كان ببلاده؟ فسأله ، فقال : خرج بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبيّ ، قد صدّقه ووافقه ناس وخالفه ناس ، وكانت بينهم ملاحم في مواطن كثيرة ، وقد تركتهم على ذلك.
فدعا هرقل صاحب شرطته فقال له : قلّب لي الشام ظهرا وبطنا حتى تأتيني برجل من قوم هذا الرجل ـ يعني النبيّ ـ فجاءنا صاحب شرطته ونحن في غزّة فقال لنا : انتم من قوم هذا الرجل الذي (ظهر) بالحجاز؟ قلنا : نعم. فقال : انطلقوا بنا إلى الملك. فلما انتهينا إليه قال لنا : انتم من رهط هذا الرجل (الذي ظهر في الحجاز)؟ قلنا : نعم. فقال : فأيّكم أمسّ به رحما؟ قلت : أنا (فلعلّه كان بعد مصاهرته له). فأقعدني بين يديه وأقعد أصحابه خلفي ثم قال لهم (على لسان الترجمان) : إنّي سأسأله ، فطن كذب فردّوا عليه. فقال : أخبرني عن هذا الرجل الذي خرج بين أظهركم يدّعي ما يدّعي! أنبئني عمّا أسألك من شأنه. قلت : سل عمّا بدا لك. قال :
__________________
(١) ونقله ابن سعد في الطبقات ١ : ٢٥٩ وفي سيرة دحلان بهامش الحلبية ٣ : ٦٤ والحلبية ٣ : ٢٧٦.