فلما رجعوا إليه بالكتاب قال لابنه : يا بني ما ذا رأيت؟ قال : رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها.
فجمع أكثم بن صيفي بني تميم ثم قال لهم : يا بني تميم ، كبرت سنّي ودخلتني ذلة الكبر ، فإن رأيتم منّي حسنا فأتوه وإذا انكرتم مني شيئا فقوّموني للحق أستقم له. إنّ ابني قد جاءني ، وقد شافه هذا الرجل ، فرآه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويأخذ بمحاسن الأخلاق وينهى عن ملائمها ، ويدعو أن يعبد الله وحده وتخلع الأوثان ويترك الحلف بالنيران. ويذكر أنه رسول الله ، وإنّ قبله رسلا لهم كتب.
وإنّ أحق الناس بمعاونة محمد ومساعدته على أمره انتم ، فإن يكن الذي يدعوكم إليه حقا فهو لكم ، وإن يكن باطلا كنتم أحق من كفّ عنه وستر عليه. وقد علم ذوو الفضل منكم أن الفضل فيما يدعو إليه ويأمر به ، فكونوا في أمره أوّلا ولا تكونوا آخرا ، اتبعوه تشرفوا وتكونوا سنام العرب ، وأتوه طائعين من قبل أن تأتوه كارهين ، فإنّي أرى أمرا ما هو بالهوينا لا يترك مصعدا إلّا صعده ، ولا منصوبا إلّا بلغه. إنّ هذا الذي يدعو إليه إن لم يكن دينا لكان في الأخلاق حسنا.
أطيعوني واتبعوا أمري ، أسأل لكم ما لا ينزع منكم أبدا ، انّكم أصبحتم أكثر العرب عددا وأوسعهم بلدا ، وانّي لأرى أمرا لا يتبعه ذليل إلا عزّ ، ولا يتركه عزيز إلّا ذل. اتبعوه تزدادوا مع عزكم عزّا ولا يكون أحد مثلكم إنّ الأول لا يدع للآخر شيئا ، وهذا شيء له ما بعده ، فمن سبق إليه فهو الباقي واقتدى به التالي ، فأصرموا أمركم فإنّ الصريمة قوة.
فقال مالك بن نويرة ـ وهو منهم ـ لقد خرف شيخكم! (ولم يسلم بعد). فقال أكثم : ويل للشّجيّ من الخلّي (١) والله ما عليك آسى ولكن على العامة. ثم نادى
__________________
(١) كمال الدين : ٥٣١ ، ٥٣٢.