فإن قلت : قد ذكر العدليّة في الاستدلال بوجوب دفع الضرر على وجوب شكر المنعم ، بأنّ في تركه احتمال المضرّة ، وجعلوا ثمرة وجوب شكر المنعم وعدم وجوبه استحقاق العقاب على ترك الشكر لمن لم يبلغه دعوة نبيّ زمانه ، فيدلّ ذلك على استحقاق العقاب بمجرّد ترك دفع الضرر الاخروي المحتمل.
____________________________________
الأوّل دون الثاني.
وثانيهما : إنّ حكم الشرع الملازم لحكم العقل بوجوب دفع الضرر الاخروي كحكم العقل إرشادي ، ولكن حكم الشرع بوجوب دفع الضرر الدنيوي ليس كحكم العقل للإرشاد ، بل يمكن أن يكون مولويّا ، كما عرفت.
(فإن قلت : قد ذكر العدليّة في الاستدلال بوجوب دفع الضرر على وجوب شكر المنعم ، بأنّ في تركه احتمال المضرة) ، أي : العقاب.
والإشكال المذكور يردّ ما ذكر من عدم ترتّب العقاب على ترك دفع العقاب المحتمل ، إلّا نفس العقاب المحتمل على تقدير ثبوته واقعا ، لأنّ العقاب يترتّب حتى على احتمال العقاب ، وإن لم يكن ثابتا في الواقع ؛ وذلك لأنّ العدليّة استدلّوا على وجوب شكر المنعم بوجوب دفع الضرر المحتمل ، حيث قالوا بأنّ في ترك شكر المنعم احتمال المضرّة والعقاب الاخروي ، فيجب دفعا لاحتمال الضرر ، (وجعلوا ثمرة وجوب شكر المنعم وعدم وجوبه استحقاق العقاب على ترك الشكر) على القول بوجوب الشكر على من لم يبلغه دعوة نبيّ زمانه ، فيجب عليه الفحص عن نبيّ لو احتمل أنّه لو تفحّص عنه لوجده.
والمستفاد منهم في مسألة وجوب شكر المنعم هو أنّ شكر المنعم شبهة وجوبيّة يحتمل في تركه العقاب ، فالعقل يحكم بوجوبه وإتيانه دفعا للعقاب المحتمل ، فمن خالف حكم العقل وترك شكر المنعم استحقّ العقاب ، سواء صادف الواقع أم لا.
ومن هنا يمكن أن يقال في ما نحن فيه : إنّ كلّ واحد من المشتبهين في الشبهة المحصورة شبهة تحريميّة يحتمل في ارتكابه العقاب ، فالعقل يحكم بوجوب الاجتناب عن كلّ واحد منهما دفعا للعقاب المحتمل ، سواء صادف الواقع أم لا ، فما ذكر من عدم ترتّب العقاب على ارتكاب ما يحتمل فيه العقاب ، إلّا نفس العقاب إن صادف الواقع غير صحيح ، بل الظاهر هو ترتّب العقاب في الارتكاب وإن لم يكن ما ارتكبه حراما في الواقع.