ذلك من مسألة التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت الحاجة؟ مع أنّ التكليف بالمجمل
____________________________________
كانت الخطابات المسوقة لبيان الأحكام الشرعيّة بالنسبة إليهم في أعلى مرتبة البيان حال حضور عملهم.
وأمّا الغائبون وكذا المعدومون ، فإمّا أن يكون ثبوت التكليف في حقّهم بنفس هذه الخطابات ، كالمعرّى ممّا يدلّ على المشافهة ، مثل قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)(١) الآية ، أو يكون بغيرها ممّا يدلّ على اشتراك التكليف كالمشتمل على ما يدلّ عليها ، مثل قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ)(٢) ونحوه ، وما دلّ على الاشتراك بين ما يكون من مقولة اللّب ، كالإجماع والضرورة ، وما يكون من مقولة الدليل اللفظي مثل قوله عليهالسلام : (حلال محمّد صلىاللهعليهوآله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة) (٣).
إذا عرفت هذه الامور ، فنقول في شرح ما للمحقّق القمّي رحمهالله من المراد بحيث يندفع به ما ذكره المصنّف قدسسره من الإيراد : إنّ ثبوت التكليف في حقّنا زمرة المعدومين في زمن الحضور إذا كان متعلّقه من المجملات إنّما هو مستلزم لتأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو كما عرفت في الوجه الرابع من القبائح الذاتيّة ، غاية ما في الباب كون المقام من القسم الثاني من الإجمال في الخطاب ، أعني : ما كان الإجمال فيه ثابتا بالنسبة إلى البعض ، وبعد ما عرفت من عدم الفرق بين ما رقّمنا فيه من الأقسام لا شبهة في ثبوت القبح بالنسبة إلى هذا المقام.
فإن قلت : لزوم المحذور المزبور إنّما هو مسلّم فيما إذا كان الإجمال في الخطاب ناشئا من قبل المولى ، وأمّا إذا كان المولى مبيّنا له بجميع أطرافه ، وإنّما عرض له الإجمال من جهة المانع الخارجي ، كما هو كذلك بالنسبة إلينا معاشر المعدومين ، فليس فيه مخاطبة بالمجمل حتى يقع معروضا للقبح ، بل يجب ـ حينئذ ـ الرجوع إلى ما يقتضيه العقل من البراءة والاحتياط ، ومقتضى العلم الإجمالي بضمّ المقدّمة العلميّة هو الاحتياط.
قلت : إنّ هذا متين فيما إذا كان المولى الآمر جاهلا بالعواقب ، وعاجزا عن دفع الموانع ،
__________________
(١) آل عمران : ٩٧.
(٢) البقرة : ٨٣.
(٣) الكافي ١ : ٥٨ / ١٩. الوسائل ٣٠ : ١٩٦ ، الفائدة السادسة.