ولا يخفىٰ عليك ما في كلام العلّامة والشيخ من جهة التأويل ، فإنّ إرادة الواجب من السنّة في غاية البعد ، مع إمكان الدخول في الحديث من باب آخر ، وهو إرادة عدم كونهما من ماهيّته وجوباً واستحباباً ، وكلام العلّامة وإن أفهم في التأييد هذا ، إلّا أنّ قوله : لأنّ الوضوء فريضة . محل كلام ، بل الوضوء ملتمّ من فروض ومستحبات ، وقوله : ولكنهما من الحنيفية . مجمل المرام ، بل لا يخلو من اختلال ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .
وما قاله الشيخ ـ رحمهالله ـ من أنّ رواية عبد الله بن سنان تدل علىٰ تأويله ، محل كلام ؛ لأنّ الخبر يدل علىٰ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله سنّ المضمضة والاستنشاق ، أمّا كونهما من سنن الوضوء فلا يدلّ عليه .
وبالجملة : لا يبعد أن يكون مراد ابن أبي عقيل نفي كونهما من فرائض الوضوء وسننه الداخلة فيه ، إن كان الاستدلال بالخبر منه ، لأنّ قوله عليهالسلام : « إنّما عليك أن تغسل ما ظهر » يدلّ علىٰ ما قلناه ، وإن كان الاستدلال من العلّامة له ، فمطلوبه غير واضح ، بل عبارته المنقولة من العلّامة تفيد نفي المضمضة والاستنشاق مطلقاً .
وهذه عبارة العلّامة : المشهور عند علمائنا استحباب المضمضة والاستنشاق ، وقال ابن أبي عقيل : إنّهما ليسا عند آل الرسول صلىاللهعليهوآله بفرض ولا سنّة . لنا أنّهما من العشرة الحنيفية ، وما رواه الشيخ ، وذكر رواية عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه حكىٰ وضوء أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال : « ثم يمضمض » إلىٰ آخر الرواية (١) (٢) .
__________________
(١) التهذيب ١ : ٥٣ / ١٥٣ ، الوسائل ١ : ٤٠١ أبواب الوضوء ب ١٦ ح ١ .
(٢) المختلف ١ : ١١١ .