علىٰ معنىٰ أنّ الشارع أباح الفعل والترك ، فمن لوازمه الثواب علىٰ الفعل ليفارق مباح الأصل ، وغير خفيّ أنّ هذا لا يخرج عن الاستحباب ، إلّا أن يقال : إنّ ثوابه أقل ، وذلك لا يضرّ بالحال .
وما عساه يقال : إنّ مباح الشرع لو اُريد به تساوي الفعل والترك في الثواب اُشكل بأنّ الترك لا يليق بحكمة الشارع مساواته في الثواب للفعل ، وإن لم يتحقق الثواب في الترك فهو المستحب ، ولا وجه لجعل المباح شرعياً .
فله وجه ، غير أنّي لم أقف علىٰ من كشف قناع هذا الإشكال ، فينبغي تأمّل ذلك .
وقد وجدت في كتاب الصوم من التهذيب حديثاً يدل علىٰ التخيير بين الفعل والترك في السحور لغير شهر رمضان ، فإنّ فيه الأمر بالسحور لشهر رمضان ، ثم قال : « ومن صام غيره فإن شاء فليسحر وإن شاء لم يفعل » (١) .
غير أنّ الإشكال الذي ذكرناه لا مدفع له علىٰ ما أظنّ إلّا بأن يقال : إنّ الثواب الحاصل في الفعل إذا كان الإنسان مخيّراً أقل من ثواب المستحب ، للتتميّز عنه ، وفائدة هذا سهلة فيما نحن فيه ، إذ الغسلة الثانية في الوضوء إذا تحقق فيها الثواب لكنّه أقل من كونها مستحبة ، فالعدول من الجمع بالحمل علىٰ الاستحباب [ إلىٰ الحمل ] (٢) علىٰ الجواز لا يفيد دفع المحذور ، من عدم فعل النبي عليهالسلام لما فيه الثواب مداومة ، وكذلك علي عليهالسلام ، ولو اُريد مباح الأصل فلا اظنّه في المقام لائقاً ، بعد ورود الأخبار التي سمعتها .
__________________
(١) التهذيب ٤ : ١٩٧ / ٥٦٥ ، الوسائل ١٠ : ١٤٣ أبواب آداب الصائم ب ٤ ح ٥ .
(٢) في النسخ : للحمل ، غيّرناه لاستقامة العبارة .