ولكن السببية بهذا المعنى غير معقول في نفسه على ما ذكرناه في بحث الإجزاء (١) ، لاستلزامه الدور ، فانّ قيام الأمارة على الحكم فرع ثبوته واقعاً ، فكيف يتوقف ثبوته على قيامها. هذا مضافاً إلى كونه مخالفاً للاجماع والروايات الدالة على اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل.
الثاني : السببية المنسوبة إلى المعتزلة ، وهي أنّ الحكم الواقعي وإن كان متحققاً مع قطع النظر عن قيام الأمارة ، إلاّأنّ قيامها ـ من قبيل طروء العناوين الثانوية كالحرج والضرر ـ موجب لحدوث مصلحة في المؤدى أقوى من مصلحة الواقع ، وإذا انكشف الخلاف كان ذلك من قبيل تبدل الموضوع.
وعلى هذا القول لا مجال للاشكال المذكور أيضاً ، إذ مع قيام الأمارة على خلاف الحكم الواقعي يكون الحكم الواقعي الأهم هو مؤداها ، فلا يلزم تفويت المصلحة أو الالقاء في المفسدة.
إلاّأنّ السببية بهذا المعنى وإن كانت أمراً معقولاً في نفسه ، وليست كالسببية بالمعنى الأوّل ، ولكنها أيضاً باطلة بمقتضى الاجماع والروايات (٢) الدالة على اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل ، وأنّ الواقع لا يتغيّر عمّا هو عليه بقيام الأمارة.
الثالث : السببية بمعنى المصلحة السلوكية ، والمراد بها أنّ في تطبيق العمل على الأمارة والسلوك على طبقها مصلحةً يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع على تقدير مخالفتها له ، وحيث إنّ المصلحة السلوكية تابعة للسلوك على طبق الأمارة ، فهي تتفاوت بتفاوت مقدار السلوك قلّةً وكثرةً ، فإذا فرض
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ٢ : ٨٥
(٢) [ذكر قدسسره في محاضرات في اصول الفقه ٢ : ٨٧ أنّ الروايات الدالة على الاشتراك هي الدالة على ثبوت الأحكام مطلقاً ، وروايات الاحتياط والبراءة ...]