لتبدل الحكم الواقعي بنوع من التصويب ، إذ لو فرض كون سلوك الأمارة مشتملاً على مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع الفائتة ، لا يعقل تعلّق الايجاب بالواقع تعييناً ، لكونه ترجيحاً بلا مرجح ، بل لا بدّ من تعلّق الايجاب بالواقع وسلوك الأمارة تخييراً. مثلاً لو فرض أنّ مصلحة صلاة الظهر تقوم بأمرين : أحدهما نفس صلاة الظهر ، والآخر سلوك الأمارة الدالة على وجوب صلاة الجمعة لمن لم ينكشف له الخلاف ، فامتنع من الشارع الحكيم تخصيص الوجوب الواقعي بخصوص صلاة الظهر ، لقبح الترجيح بلا مرجح.
وبعبارة اخرى : بعد كون الوجوب تابعاً للمصلحة على ما هو مذهب المشهور من العدلية ، وكون كلٍّ من الأمرين مشتملاً عليها ، تعيّن على الشارع الحكم بوجوبهما تخييراً ، فيكون الواجب الواقعي ـ في حق من قامت عنده الأمارة الدالة على وجوب صلاة الجمعة ـ أحد أمرين على سبيل التخيير : إمّا صلاة الظهر أو سلوك الأمارة المزبورة ، فلا يكون الحكم الواقعي مشتركاً بين العالم والجاهل بنحو واحد ، بل في حقّ العالم تعييني وفي حقّ الجاهل تخييري. وهذا نوع من التصويب ، ويدل على بطلانه الاجماع والروايات الدالة على اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل ، وقد تعرّضنا لتفصيل ذلك كلّه في بحث الإجزاء ، فراجع (١).
ومجمل الكلام في المقام : أنّ الاشكال المنسوب إلى ابن قبة مندفع من أصله على القول بحجية الأمارات من باب السببية بأيّ معنىً من المعاني.
وأمّا على القول بالطريقية وأ نّه ليس في حجّية الأمارات إلاّمصلحة الايصال إلى الواقع ، فالصحيح في الجواب عن الاشكال المذكور أن يقال : إنّ إلزام المكلّفين بتحصيل العلم وإن فرض انفتاح بابه حرج على نوع المكلفين ، ومنافٍ لكون
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ٢ : ٨٧ ـ ٨٩