الشريعة المقدسة سهلةً سمحةً ، فلو قدّم الشارع الحكيم مصلحة التسهيل على النوع على مصلحة الواقع الفائتة عند مخالفة الأمارة للواقع لا يتصور فيه قبح ، وكم للشارع أحكام مجعولة لغرض التسهيل على النوع مع اقتضاء المصلحة الواقعية خلافها ، كالحكم بطهارة الحديد ، ومقتضى الروايات الدالة على أنّ في الحديد بأساً شديداً هو الحكم بنجاسته ، إلاّأنّ الله سبحانه وتعالى حكم بطهارته تسهيلاً على العباد (١) ، لتوقف كثير من امور معاشهم على استعمال الحديد ، فكان الحكم بنجاسته موجباً للعسر والحرج على المكلفين.
فتحصّل : أنّ تفويت المصلحة الواقعية أو الالقاء في المفسدة أحياناً لا يوجب امتناع التعبد بالأمارة إذا كان فيه مصلحة نوعية.
هذا ، مضافاً إلى أنّ غالب الأمارات بل جميعها طرق عقلائية لا تأسيسية من قبل الشارع ، ومن الواضح أنّ ردع العقلاء عمّا استقرّ بناؤهم عليه في امور معاشهم يحتاج إلى مصلحة ملزمة ، كما إذا كان الطريق غالب المخالفة للواقع كالقياس ، ولذا ورد النهي عن العمل به. وأمّا لو لم تكن مصلحة ملزمة في الردع كما إذا كانت مخالفة الأمارة للواقع قليلةً في جنب مصلحة التسهيل ، فلا وجه للردع أصلاً.
على أنّ الالتزام بامتناع التعبد بالأمارة في فرض انفتاح باب العلم ممّا لا يترتب عليه أثر عملي ، إذ الانفتاح مجرد فرض لا واقع له ، حتّى في زمان حضور المعصوم عليهالسلام فانّ العلم بالواقع في جميع الأحكام ـ ولا سيّما في الشبهات الموضوعية ـ ممتنع عادةً حتّى لأصحاب الإمام عليهالسلام ، إذ لايمكن الرجوع إلى نفس المعصوم في كل مسألة وكل شبهة حكمية وموضوعية في كل وقت وساعة كما هو واضح.
__________________
(١) [لم نعثر عليه]