بوجوداتها الواقعية لا تكون محرّكةً للعبد نحو العمل وإن بلغت ما بلغت من التأكد ، بل لا بدّ في ذلك من الوصول إلى المكلف ، كما هو ظاهر. وأمّا إذا لم يصل الحكم إلى المكلف وشكّ فيه ، فإن كان ملاك الحكم الواقعي بمرتبة خاصّة من الأهمّية بحيث لا يرضى الشارع بفواته حتّى في ظرف الشك ، كما في الدماء والفروج والأموال الخطيرة ، فيوجب عليه الاحتياط ، ويكون الحكم الواقعي حينئذ واصلاً إلى المكلف بطريقه. وإن لم يكن الملاك بتلك المرتبة من الأهمّية ، فيرخّصه في الترك أو الفعل ، كما في موارد جريان البراءة عند الشك في الوجوب أو الحرمة.
والمتحصّل من ذلك : أنّ الحكم الظاهري مجعول في طول الحكم الواقعي وفي فرض الشك فيه ، لا في مرتبته ، فلا مضادة بينهما. هذا مضافاً إلى أنّ وجوب الاحتياط طريقي ، بمعنى أنّ وجوبه إنّما هو للتحفظ على ملاك الحكم الواقعي ، فإن صادف الواقع فلا محذور فيه أصلاً ، إذ لاتعدّد في الحكم ليلزم اجتماع المثلين ، بل الحكم واحد ناشئ من ملاك واحد ، إنّما التعدد في الانشاء والابراز ، فقد أبرزه المولى تارةً بعنوان وجوب الصلاة مثلاً ، واخرى بعنوان وجوب الاحتياط.
وإن لم يصادف الواقع فلا وجوب للاحتياط حقيقةً ليلزم التضاد بينه وبين الترخيص الواقعي ، إذ وجوب الاحتياط إنّما هو للتحفّظ على ملاك الحكم الواقعي ، ففي فرض مخالفته للواقع لا وجوب له حقيقةً ، بل وجوب الاحتياط حينئذ تخيّلي ، بمعنى أنّ المكلف يتخيّل وجوبه ولا وجوب له حقيقةً. وأمّا البراءة فمع مصادفتها للترخيص الواقعي فلا محذور فيها أصلاً ، كما تقدّم في الاحتياط ، ومع مخالفتها للواقع لا يلزم التضاد ، لعدم كونهما في مرتبة واحدة كما تقدّم.
ثمّ إنّه قدسسره أكّد كلامه بأنّ الشك له اعتباران :