بناؤهم على جعل حكم تكليفي في موارد الطرق ، وإنّما استقرّ بناؤهم على المعاملة معها معاملة العلم الوجداني ، وقد أمضى الشارع هذا البناء منهم ، فليس المجعول إلاّالطريقية والمحرزية.
وبما ذكرناه ظهر ما في كلام صاحب الكفاية قدسسره من أنّ المجعول في باب الأمارات هي الحجية ، بمعنى التنجيز عند المصادفة والتعذير عند المخالفة (١) ، إذ التنجيز والتعذير بمعنى حسن العقاب على مخالفة التكليف مع قيام الحجّة عليه وعدمه مع عدمه من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص ، فالتصرف من الشارع لا بدّ وأن يكون في الموضوع ، بأن يجعل شيئاً طريقاً ويعتبره علماً تعبداً ، وبعد قيام ما اعتبره الشارع علماً على التكليف ، يترتب عليه التنجيز والتعذير عقلاً لا محالة.
وكذا الحال في الاصول المحرزة الناظرة إلى الواقع بالغاء جهة الشك ، كالاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز ونحوها ، إذ المجعول فيها أيضاً هي الطريقية والكاشفية ، لكن لا من جميع الجهات ، بل من حيث الجري العملي في موردها فقط ، فهي علم تعبدي من هذه الجهة فقط ، ولذا تقوم مقام القطع الطريقي والقطع المأخوذ في الموضوع على نحو الطريقية على ما تقدّم بيانه (٢). فليس في موردها حكم مجعول حتّى يلزم اجتماع الضدّين.
وأمّا الاصول غير المحرزة التي ليست ناظرةً إلى الواقع ، بل هي متكفلة لبيان الوظائف العملية عند الشك في الواقع ، إمّا تنجيزاً كالاحتياط ، أو تأميناً كالبراءة ، فالجواب عن الاشكال فيها يحتاج إلى التنبيه على أمر ، وهو أنّ الأحكام
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٧٧
(٢) راجع ص ٤٠ و ٤١ من هذا الكتاب ، وأجود التقريرات ٣ : ١٩