تعالى : «فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» (١).
والاستدلال بهذه الآية الشريفة يتوقف على إثبات امور :
أحدها : أن يكون المراد إنذار كل واحد من النافرين بعضاً من قومهم ، لا إنذار مجموع النافرين مجموع القوم ، ليقال إنّ إخبار المجموع وإنذارهم يفيد العلم بالواقع ، فيخرج عن محل الكلام في بحث حجّية الخبر ، وهذا الأمر ثابت ، لأنّ تقابل الجمع بالجمع ظاهر في التوزيع ، كما في قوله تعالى : «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ» (٢) فانّ المراد منه أن يغسل كل واحد وجهه ويده ، لا أن يغسل المجموع وجه المجموع ، كما أنّ طبع الحال وواقع القضيّة أيضاً هو ذلك ، لأنّ الطائفة النافرة للتفقه في الدين إذا رجعوا إلى أوطانهم لا يجتمعون بحسب العادة في محل واحد ليرشدوا القوم مجتمعاً ، بل يذهب كل واحد منهم إلى ما يخصه من المحل ويرشد من حوله من القوم.
ثانيها : أن يكون المراد من الحذر هو التحفظ والتجنب العملي لا مجرد الخوف النفساني ، وهذا الأمر أيضاً ثابت ، لأنّ ظاهر الحذر هو أخذ المأمن من المهلكة والعقوبة وهو العمل ، لا مجرد الخوف النفساني.
ثالثها : أن يكون الحذر والتجنب العملي واجباً عند إنذار المنذر ، وهذا الأمر أيضاً ثابت ، لأنّ كلمة «لعل» ظاهرة في كون ما بعدها غاية لما قبلها ، كما يظهر من مراجعة موارد استعمالها ، سواء كان استعمالها في مقام الاخبار عن الامور الخارجية ، كقولك : اشتريت داراً لعلي أسكنها ، أو في مقام بيان الأحكام المولوية ، وعلى الثاني فإن كان ما بعدها أمراً غير قابل للتكليف كما إذا قيل :
__________________
(١) التوبة ٩ : ١٢٢
(٢) المائدة ٥ : ٦