يدرك أنّ الفعل المذكور تعدٍّ على المولى وهتك لحرمته ، وخروج عن رسوم عبوديته ، وأنّ الفاعل يستحق الذم واللوم ، كيف ولا خلاف بين العقلاء في حسن الانقياد عقلاً ، بمعنى أنّ العقل يدرك أنّه جري على وظيفة العبودية ، وأنّ الفاعل مستحق للمدح والثناء ، ولذا أنكر عدّة من العلماء دلالة أخبار من بلغ على الاستحباب الشرعي ، وحملها على أنّ المراد إعطاء الأجر والثواب من باب الانقياد ، مع أنّ الانقياد والتجري ـ مع التحفظ على تقابلهما ـ من وادٍ واحد ، فكما أنّ الانقياد حسن عقلاً بلا خلاف بين العقلاء ، كذلك لا ينبغي الشك في أنّ التجري قبيح عقلاً.
فالانصاف : أنّ الدعوى الاولى ـ التي هي بمنزلة الصغرى ، وهي قبح الفعل المتجرى به عقلاً ـ ممّا لا مناص من التسليم بها. وأمّا الدعوى الثانية ـ التي هي بمنزلة الكبرى ، وهي أنّ قبح الفعل عقلاً يستلزم حرمته شرعاً ، وحسن الفعل عقلاً يستتبع وجوبه شرعاً لقاعدة الملازمة ـ فهي غير تامّة. وقاعدة الملازمة أجنبية عن المقام ، بيان ذلك :
أنّ حكم العقل إنّما هو بمعنى إدراكه ليس إلاّ ، فتارةً يدرك ما هو في سلسلة علل الأحكام الشرعية من المصالح والمفاسد ، وهذا هو مورد قاعدة الملازمة ، إذ العقل لو أدرك مصلحة ملزمة في عمل من الأعمال ، وأدرك عدم وجود مزاحم لتلك المصلحة ، علم بوجوبه الشرعي لا محالة ، بعد كون الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد. وكذا لو أدرك مفسدة ملزمة بلا مزاحم ، علم بالحرمة الشرعية لا محالة.
لكن الصغرى لهذه الكبرى غير متحققة أو نادرة جداً ، إذ العقل لا يحيط بالمصالح الواقعية والمفاسد النفس الأمرية والجهات المزاحمة لها ، ولذا ورد في