الروايات «أنّ دين الله لا يصاب بالعقول» (١) و «أنّه ليس شيء أبعد عن دين الله من عقول الرجال» (٢).
واخرى يدرك العقل ما هو في مرتبة معلولات الأحكام الشرعية ، كحسن الاطاعة وقبح المعصية ، فانّ هذا الحكم العقلي فرع ثبوت الحكم الشرعي المولوي ، وحكم العقل بقبح التجري وحسن الانقياد من هذا القبيل ، فقاعدة الملازمة أجنبية عنه ، فلا دليل على أنّ حكم العقل بقبح التجري يستلزم الحرمة الشرعية ، بل لنا أن ندّعي عدم إمكان جعل حكم شرعي مولوي في المقام ، إذ لو كان حكم العقل بحسن الانقياد والاطاعة وقبح التمرد والمعصية كافياً في إتمام الحجّة على العبد ، وفي بعثه نحو العمل وزجره عنه ـ كما هو الصحيح ـ فلا حاجة إلى جعل حكم شرعي مولوي آخر ، وإن لم يكن كافياً فلا فائدة في جعل حكم آخر ، إذ هو مثل الحكم الأوّل ، فيكون جعل الحكم لغواً يستحيل صدوره من الحكيم (تعالى وتقدّس).
هذا ، ولنا برهان آخر أبسط على عدم إمكان جعل الحكم الشرعي في المقام : وهو أنّ القبح ـ الذي يتوهم استتباعه للحكم الشرعي ـ لو كان مختصاً بعنوان التجري ـ أي مخالفة القطع المخالف للواقع ـ ففيه : مضافاً إلى فساد هذا الاختصاص وأنّ حكم العقل بالقبح في صورة مصادفة القطع للواقع وصورة مخالفته له على حد سواء ، إذ ملاكه وهو هتك المولى والجرأة عليه موجود في
__________________
(١) المستدرك ١٧ : ٢٦٢ / أبواب صفات القاضي ب ٦ ح ٢٥
(٢) [لم نجد هذا النص في مصادر الحديث المتداولة وإنّما الموجود فيها : «ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن» الوسائل ٢٧ : ١٩٢ / أبواب صفات القاضي ب ١٣ ح ٤١]