لا ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره من أنّ العقل مستقل بحجّية الظن (١) فانّه غير معقول ، إذ العقل ليس بمشرع ليجعل الظن حجّة ، وإنّما شأنه الادراك ليس إلاّ ، فالجعل والتشريع من وظائف المولى ، والعقل يدرك ويرى المكلف معذوراً في مخالفة الواقع مع الاتيان بما يحصل معه الظن بالامتثال على تقدير تمامية المقدّمات ، ويراه غير معذور في مخالفة الواقع على تقدير ترك الامتثال الظنّي والاقتصار بالامتثال الشكّي أو الوهمي ، وهذا هو معنى الحكومة.
ثمّ إنّه لا بدّ من بيان منشأ الاختلاف في أنّ نتيجة المقدّمات هو الكشف أو الحكومة ، فانّ الاختلاف المذكور ليس جزافياً بدون منشأ ، فنقول : إنّ المنشأ لهذا الاختلاف هو الاختلاف في تقرير المقدّمة الثالثة ، فانّها قد تقرّر بأنّ الاحتياط التام غير واجب ، لعدم إمكانه أو لكونه مستلزماً لاختلال النظام أو العسر والحرج ، وعلى هذا التقرير تكون النتيجة هي الحكومة ، لأنّ عدم جواز الاحتياط التام لاستلزامه اختلال النظام أو عدم وجوبه للزوم العسر والحرج لا ينافي حكم العقل بلزوم الاحتياط في بعض الأطراف وتركه في البعض الآخر ممّا يرفع معه محذور الاختلال أو العسر والحرج ، فالعقل الحاكم بالاستقلال في باب الاطاعة والامتثال يلزم المكلف أوّلاً بتحصيل الامتثال العلمي تفصيلاً أو إجمالاً باتيان جميع المحتملات ، فان تعذّر ذلك حكم بالتبعيض في الاحتياط والاكتفاء بالامتثال الظنّي ، ومع تعذّره أيضاً يحكم بالامتثال الشكّي ، ومع تعذّره يحكم بالامتثال الوهمي ، ولا يراه معذوراً في مخالفة الواقع على تقدير التنزل إلى المرتبة السافلة مع التمكن من المرتبة العالية في جميع هذه المراتب.
وبالجملة : تكون النتيجة على هذا التقرير هو التبعيض في الاحتياط.
وقد تقرّر المقدّمة الثالثة : بأنّ الشارع لا يرضى بالاحتياط والامتثال
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٨٠ ، ولاحظ ص ٣٢١