المعلوم بالاجمال واحداً أو اثنين ونحوهما ممّا لا يلزم من الرجوع إلى البراءة في غير المضطر إليه من الأطراف محذور.
وأمّا في مثل المقام ممّا كان الرجوع إلى البراءة مستلزماً للمخالفة في معظم الأحكام المعبّر عنها في كلام الشيخ قدسسره بالخروج من الدين (١) ، فلا يجوز الرجوع إلى البراءة يقيناً ، للقطع بأنّ الشارع لا يرضى بمخالفة معظم أحكامه. وهذا هو المراد من الخروج من الدين لا الكفر ، إذ مخالفة الفروع لا توجب الكفر.
وبالجملة : المقدّمة الاولى ممّا لا إشكال في تماميتها ، فانّ إهمال التكاليف المعلومة بالاجمال وعدم التعرّض
لامتثالها ممّا يقطع بعدم رضى الشارع به بالضرورة ، إلاّ أنّه قد ذكرنا عند التعرّض لذكر الأدلة العقلية على حجّية الخبر (٢) أنّ لنا علوماً إجمالية ثلاثة :
الأوّل : العلم الاجمالي بوجود تكاليف واقعية تحريمية ووجوبية.
الثاني : العلم الاجمالي بمطابقة جملة من الأمارات للواقع.
الثالث : العلم الاجمالي بصدور جملة من الأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة.
والعلم الاجمالي الأوّل ينحل بالثاني ، والعلم الاجمالي الثاني ينحل بالثالث ، فيجب الاحتياط في موارد الأخبار المذكورة فقط ، ولا يكون الاحتياط المذكور موجباً لاختلال النظام ولا مستلزماً للعسر والحرج ، كيف وجماعة من أصحابنا الأخباريين قد عملوا بجميع الأخبار المذكورة ، بدعوى القطع بصدورها ، فلم يختل عليهم النظام ، ولم يرد عليهم العسر والحرج. وعليه فكانت المقدّمة الثالثة من مقدّمات الانسداد غير تامّة. ويأتي الكلام فيها مفصّلاً إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ٢٣٠
(٢) في ص ٢٣٨ و ٢٣٩