وأمّا المقدّمة الثالثة : وهي بطلان الرجوع إلى الغير والعمل بالقرعة ونحوها ، وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مورد ، وعدم وجوب الاحتياط التام ، فتفصيل الكلام فيها : أنّ التقليد والرجوع إلى الغير واضح البطلان ، لأنّ القائل بالانسداد يرى خطأ من يدّعي الانفتاح ، فيكون رجوعه إليه من رجوع العالم إلى الجاهل في نظره. وكذا العمل بالقرعة ونحوها ، فانّ أساس الأحكام الشرعية غير مبتنٍ على مثل القرعة بالضرورة. ولا دليل على حجّية القرعة إلاّ في موارد قليلة من الشبهات الموضوعية على ما ذكر في محلّه (١) ، فالرجوع إليها في الشبهات الحكمية فاسد بالضرورة.
وأمّا الرجوع إلى الاصول العملية في كل مورد ، فتحقيق الحال فيه يقتضي بسطاً في المقال ، فنقول : إنّ ما كان من الاصول مثبتاً للتكليف ، فإن كان من الاصول غير المحرزة كقاعدة الاشتغال ، فلا مانع من جريانها في مواردها ، وإن كان من الاصول المحرزة كالاستصحاب المثبت للتكليف ، فإن لم يعلم إجمالاً بانتقاض الحالة السابقة في بعض الموارد ، فلا مانع من جريانه أيضاً ، وإن علم بذلك ، فعلى القول بأنّ المانع من جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة هو لزوم المخالفة العملية فقط ـ كما اختاره صاحب الكفاية قدسسره (٢) وهو الصحيح ـ فلا مانع من جريانه في المقام ، إذ المفروض كونه مثبتاً للتكليف ، فلا تلزم من جريانه مخالفة عملية ، نظير ما إذا علم إجمالاً بطهارة الإناءين المسبوقين بالنجاسة فانّه لا يلزم من إجراء استصحاب النجاسة فيهما مخالفة عملية. وأمّا على القول بأنّ العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة بنفسه مانع عن جريان الاستصحاب ولو لم يلزم منه
__________________
(١) راجع الجزء الثالث من هذا الكتاب ص ٤١٢ ـ ٤١٤
(٢) كفاية الاصول : ٤٣٢