لأصالة الطهارة في علم الاصول عدم اطرادها في جميع أبواب الفقه ، واختصاصها بباب الطهارة (١) فغير تام ، لأنّ الميزان في كون المسألة اصولية هو أن تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الفرعي ، ولا يعتبر جريانها في جميع أبواب الفقه ، وإلاّ لخرجت جملة من المباحث الاصولية عن علم الاصول ، لعدم اطرادها في جميع أبواب الفقه ، كالبحث عن دلالة النهي عن العبادة على الفساد فانّه غير جارٍ في غير العبادات من سائر أبواب الفقه.
وقد يتخيّل : أنّ الوجه في عدم ذكر أصالة الطهارة في علم الاصول أنّ الطهارة والنجاسة من الامور الواقعية ، فدائماً يكون الشك فيهما من الشبهة المصداقية ، إذ بعد كونهما من الامور الواقعية لا من الأحكام الشرعية كان الشك فيهما شكاً في الانطباق ، فتكون الشبهة مصداقية. ومن الواضح أنّ البحث عن الشبهات الموضوعية لا يكون من المسائل الاصولية ، لأنّ المسألة الاصولية ما تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الكلّي كما تقدّم مراراً.
وفيه : أنّه إن اريد من كونهما من الامور الواقعية أنّهما ناشئان من المصلحة والمفسدة الواقعيتين ، وليستا من الأحكام الجزافية المجعولة بلا لحاظ مصلحةأو مفسدة ، فالشك في نجاسة شيء وطهارته يرجع إلى الشك في المنشأ الذي هو من الامور الواقعية ، فهذا وإن كان صحيحاً ، إلاّ أنّه لا يوجب كون الشك فيهما من الشبهة المصداقية ، وإلاّ لزم كون الشك في جميع الأحكام الشرعية من الشبهة المصداقية ، لأنّ جميع الأحكام ناشئ من المصالح والمفاسد النفس الأمرية الموجودة في متعلقاتها على ما هو المشهور أو في نفسها ، والشك فيها يستلزم الشك في منشئها ، فيلزم كون الشبهة مصداقية عند الشك في جميع الأحكام الشرعية ، وهذا ممّا نقطع بفساده بالضرورة.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٣٣٧