مصاديق الظلم ، وقد دلّت الآيات والروايات على أنّ الله (سبحانه وتعالى) لا يعاقب إلاّبعد البيان «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ» (١) بل له الحجّة البالغة (٢).
وبالجملة : عدم استحقاق العقاب في فرض عدم البيان ممّا لم ينكره ولن ينكره عاقل ، إنّما الخلاف بين الاصوليين والأخباريين في الصغرى ، حيث ذهب أصحابنا الأخباريون إلى تمامية البيان ، وقيام الحجّة على التكاليف الواقعية لوجهين : الأوّل : العلم الاجمالي بثبوت التكاليف وهو يقتضي الاحتياط.
الثاني : الأخبار الكثيرة الدالة على التوقف عند الشبهة ، وعلى الاحتياط في المشتبهات ، وعليه فالذي يناسب بحث البراءة هو البحث عن الصغرى والتعرّض لهذين الوجهين ، وإثبات أنّ العلم الاجمالي بثبوت التكاليف قد انحلّ بما عثرنا عليه من الأحكام التي دلّت عليها الأخبار ، على ما أشرنا إليه غير مرّة (٣) ، وإثبات أنّ أخبار التوقف والاحتياط ظاهرة ـ بنفسها أو بضميمة الروايات الدالة على جواز الاقتحام في الشبهات ـ في الارشاد إلى حكم العقل بوجوب تحصيل الأمن من العقاب ، فتكون ناظرةً إلى الشبهة قبل الفحص والمقرونة بالعلم الاجمالي. وسنتكلّم في كلا الوجهين عند التعرّض لاستدلال الأخباريين والجواب عنه (٤).
وأمّا البحث عن الكبرى والاستدلال عليها بالآيات والروايات وبحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فلا ملزم له ، لما ذكرناه من أنّها مسلّمة عند
__________________
(١) النساء ٤ : ١٦٥
(٢) كما هو مفاد قوله تعالى : «قُلْ فِلِلَّهِ الْحُجَّةُ ا لْبَالِغَةُ ...» الأنعام ٦ : ١٤٩
(٣) راجع ص ٢٧١ ـ ٢٧٢
(٤) في ص ٣٤٥ ـ ٣٥٥