يتداخل العقابان ، وقبح التجري ـ في هذا الفرض ـ يكون أشد ممّا إذا كان الفعل المتجرى به في الواقع مكروهاً ، كما أنّ القبح ـ في هذا الفرض أيضاً ـ أشد ممّا إذا كان الفعل المتجرى به مباحاً ، والقبح فيه أشد ممّا إذا كان الفعل المتجرى به مستحباً ، وأمّا إذا كان الفعل المتجرى به واجباً في الواقع ، فيقع التزاحم بين ملاك الوجوب وملاك قبح التجري ، فربّما يتساويان ، وربّما يكون ملاك الوجوب أقوى فيتقدم ، وربّما يكون ملاك قبح التجري أقوى فيكون قبيحاً ، انتهى.
وما ذكره مشتمل على دعاوٍ ثلاث :
الاولى : أنّ القبح لا يكون ذاتياً للتجري ، بل قابل لأن يختلف بالوجوه والاعتبارات.
الثانية : أنّ الجهات الواقعية ـ بواقعيتها ومع عدم الالتفات إليها ـ توجب اختلاف التجري من حيث مراتب القبح ، بل توجب زواله في بعض الموارد.
الثالثة : تداخل العقابين عند مصادفة المعصية الواقعية.
وهذه الدعاوي فاسدة بتمامها :
أمّا الدعوى الاولى : ففيها أنّ التجري على المولى وهتكه بنفسه مصداق للظلم ، والقبح لا ينفك عن الظلم ، فلا ينفك عن التجري ، بل يترتب عليه نحو ترتب المعلول على علّته التامّة.
وأمّا الدعوى الثانية : ففيها أنّه لو سلّمنا اختلاف التجري من حيث القبح ، لا يمكن أن يكون الأمر غير الاختياري رافعاً لقبحه ، لما ذكرناه سابقاً (١) من أنّ الجهات التي لها دخل في الحسن والقبح لا بدّ من أن تكون من الامور
__________________
(١) في ص ٢٤