منه حراماً ، ولم يعلم أنّ المشكوك فيه من القسم الحلال أو من القسم الحرام ، كالمائع المشكوك في كونه خلاًّ أو خمراً ، وذلك لايتصوّر إلاّفي الشبهات الموضوعية كما مثّلنا ، إذ لا تكون القسمة الفعلية في الشبهات الحكمية ، وإنّما تكون القسمة فيها فرضية إمكانية ، بمعنى احتمال الحرمة والحلية ، فانّا إذا شككنا في حلية شرب التتن مثلاً ، كان هناك احتمال الحرمة والحلية ، وليس له قسمان يكون أحدهما حلالاً والآخر حراماً وقد شكّ في فرد أنّه من القسم الحلال أو من القسم الحرام.
ويؤكّد ما ذكرناه : ذكر الحرام معرفاً باللام في قوله عليهالسلام : «حتّى تعرف الحرام منه بعينه» فانّه إشارة إلى الحرام المذكور قبل ذلك الذي قسم الشي إليه وإلى الحلال في قوله عليهالسلام : «فيه حلال وحرام».
وقد يتوهّم : أنّ اشتمال هذه الروايات على التقسيم غير مانع عن شمولها للشبهات الحكمية ، إذ يمكن تصوّر الانقسام الفعلي فيها أيضاً ، كما إذا علمنا بحلية لحم نوع من الطير كالدراج مثلاً ، وعلمنا بحرمة لحم نوع آخر منه كالغراب مثلاً ، وشككنا في حلية لحم نوع ثالث من الطير ، فيحكم بحلية المشكوك فيه ما لم يعلم أنّه حرام بمقتضى هذه الروايات ، إذ يصدق عليه أنّ فيه حلالاً وحراماً.
وهذا التوهم فاسد ، لأنّ الظاهر من قوله عليهالسلام : «فيه حلال وحرام» أنّ منشأ الشك في الحلية والحرمة هو نفس انقسام الشيء إلى الحلال والحرام ، وهذا لا ينطبق على الشبهة الحكمية ، فانّ الشك في حلية بعض أنواع الطير ـ في مفروض المثال ـ ليس ناشئاً من انقسام الطير إلى الحلال والحرام ، بل هذا النوع مشكوك فيه من حيث الحلية والحرمة ، ولو على تقدير حرمة جميع بقية الأنواع أو حليتها. وهذا بخلاف الشبهة الموضوعية ، فانّ الشك في حلية مائع موجود في الخارج ناشئ من انقسام المائع إلى الحلال والحرام ، إذ لو كان المائع