إن قلت : إنّ استصحاب عدم جعل الالزام معارض باستصحاب عدم جعل الترخيص ، فانّا نعلم إجمالاً بجعل أحد الأمرين ، فيسقطان بالمعارضة ويرجع حينئذ إلى البراءة.
قلت أوّلاً : يمكن المنع عن العلم الاجمالي بثبوت أحد الجعلين في خصوص المورد المشكوك فيه ، لاحتمال أن يكون الترخيص الشرعي ثابتاً بعنوان عام لكل مورد لم يجعل الالزام فيه بخصوصه ، كما كان عمل الأصحاب على ذلك في صدر الاسلام ، ويستفاد أيضاً من ردعه صلىاللهعليهوآله أصحابه عن كثرة السؤال على ما في روايات كثيرة (١). وعليه فيكون استصحاب عدم جعل الالزام مثبتاً لموضوع الترخيص ، فيكون حاكماً على استصحاب عدم جعل الترخيص.
وثانياً : لا مانع من جريان كلا الاستصحابين بعد ما لم يلزم منه مخالفة عملية للتكليف الالزامي ، فإذا ثبت عدم جعل الالزام وعدم الترخيص بمقتضى الاستصحابين ، كفى ذلك في نفي العقاب ، لأنّ استحقاقه مترتب على ثبوت المنع ، ولا يحتاج نفيه إلى ثبوت الترخيص ، فإذا ثبت عدم المنع ينتفي العقاب ولو لم يثبت الترخيص. نعم ، الآثار الخاصّة المترتبة على عنوان الاباحة لاتترتب على استصحاب عدم جعل الالزام ، فإذا فرض مورد كان الأثر الشرعي مترتباً على الاباحة لا مناص فيه من الرجوع إلى أصالة الاباحة ، ولا يكفي فيه الرجوع إلى استصحاب عدم المنع كما هو ظاهر.
إن قلت : لا يصحّ التمسك باستصحاب عدم الجعل في الشبهات الموضوعية ، لأنّ مورد الشبهة لم يجعل له الحكم بشخصه يقيناً. وأمّا الطبيعي المشكوك
__________________
(١) راجع على سبيل المثال بحار الأنوار ٢٢ : ٣١