يستصعب الانحلال ، وهو في محلّه لو قلنا باشتراط منجزية الأمارات بالوصول ، بمعنى أنّ المنجّز هي الأمارات الواصلة إلى المكلف لا الأمارات بوجودها الواقعي ، لأنّ العلم الاجمالي الموجود في أوّل البلوغ قد أثّر أثره من تنجيز التكاليف الواقعية ، وقيام منجّز آخر بعد ذلك على الحكم في بعض الأطراف لا يوجب سقوط المنجّز السابق. نعم ، إن قلنا ـ وهو الصحيح ـ بأنّ مجرد كون الأمارة في معرض الوصول ـ بمعنى كون الأمارة بحيث لو تفحص عنها المكلف وصل إليها ـ كافٍ في التنجيز ، انحلّ العلم الاجمالي ، فانّ المكلف في أوّل بلوغه ـ حين يلتفت إلى وجود التكاليف في الشريعة المقدّسة ـ يحتمل وجود أمارات دالّة عليها ، فيتنجز عليه مؤدياتها بمجرد ذلك الاحتمال ، وحيث إنّ هذا الاحتمال مقارن لعلمه الاجمالي بالتكاليف ، فلايكون علمه منجّزاً لجميع أطرافه ، لتنجز التكليف في بعض أطرافه بمنجّز مقارن له ، نظير ما لو علمنا بوقوع نجاسة في أحد الاناءين وعلمنا بنجاسة أحدهما المعيّن مقارناً لذلك العلم الاجمالي فانّه لاينجز حينئذ أصلاً ، والسر فيه : أنّ تنجيز العلم الاجمالي إنّما هو بتساقط الاصول في أطرافه للمعارضة ، وفي مفروض المثال يجري الأصل في الطرف المشكوك فيه بلا معارض ، ولذا ذكرنا في محلّه أنّه لو كان الأصل الجاري في بعض الأطراف مثبتاً للتكليف وفي بعضها الآخر نافياً له لا يكون العلم الاجمالي منجّزاً (١).
وممّا ذكرناه ظهر الحال ، وصحّة الانحلال على القول بالسببية في باب الأمارات ، وأنّ المجعول هي الأحكام الفعلية على طبقها ، فانّ قيام الأمارة يكشف عن ثبوت الأحكام في مواردها من أوّل الأمر ، فلا يبقى أثر للعلم الاجمالي بالتكاليف الواقعية مرددةً بينها وبين غيرها.
__________________
(١) راجع ص ٤٠٧ و ٤١٥ و ٤٢٢