كان يستعمله في عمله من جلود الحمر الوحشية الذكية في قبال الميتة المذكورة في صدرها ، فلا مفهوم لها ، ويدل على ما ذكرناه ذكر الوحشية في الكلام ، لأنّ كون الحمار وحشياً لا دخل له في طهارة جلده يقيناً.
فتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ مقتضى أصالة عدم التذكية إذا جرت في مورد إنّما هي حرمة أكل اللحم وعدم جواز الصلاة في جلده ، وأمّا النجاسة فهي غير مترتبة على هذا الأصل ، فلا مانع من الرجوع إلى أصالة الطهارة. وعلى هذا يحمل ما أفاده الشهيد قدسسره من أنّ الأصل في اللحوم هي الحرمة والطهارة (١).
ثمّ إنّ صاحب الحدائق قدسسره (٢) أورد على الاصوليين وتعجّب منهم ، حيث حكموا بحرمة اللحم المشكوك فيه تمسكاً بأصالة عدم التذكية ، مع أنّهم يقولون بعدم جريان الأصل مع وجود الدليل ، والدليل على الحل موجود في المقام ، وهو قوله عليهالسلام : «كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه» (٣).
وفساد ما ذكره واضح ، لأنّ الدليل الذي لا يجري الأصل مع وجوده هو الدليل على الحكم الواقعي ، والدليل المذكور في كلامه هو الدليل على البراءة التي هي من الاصول العملية ، لا الدليل على الحكم الواقعي ليتقدّم على الاستصحاب ، بل دليل الاستصحاب يخرج مورد جريانه عمّا لا يعلم حرمته ، ويدرجه في معلوم الحرمة ، ومعه كيف يمكن التمسك بدليل البراءة.
__________________
(١) الروضة البهيّة ١ : ٤٩
(٢) الحدائق الناضرة ٥ : ٥٢٦
(٣) الوسائل ١٧ : ٨٧ / أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ١ (باختلاف يسير)