التكليف ، وحيث إنّا نعلم في المقام بجنس الالزام ، فالشك إنّما هو في المكلف به لا في التكليف ، فكيف يمكن الرجوع إلى الأصل النافي.
والجواب : أنّ العلم بالالزام إنّما يمنع من جريان الاصول فيما إذا كان التكليف المعلوم إجمالاً قابلاً للباعثية ، كما إذا دار الأمر بين وجوب شيء وحرمة شيء آخر ، وأمّا إذا دار الأمر بين وجوب شيء وحرمته بعينه ، فالعلم بوجود الالزام في حكم العدم ، إذ الموافقة القطعية كالمخالفة القطعية مستحيلة ، والموافقة الاحتمالية كالمخالفة الاحتمالية حاصلة لا محالة ، فلا أثر للعلم الاجمالي بالالزام أصلاً ، فصحّ أن نقول : إنّ مورد دوران الأمر بين محذورين من قبيل الشك في التكليف لا الشك في المكلف به.
وظهر بما ذكرناه ضعف ما في الكفاية من منع جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، لأنّ العلم الاجمالي بيان (١) ، وذلك لأنّ العلم الاجمالي غير القابل للباعثية لا يعدّ بياناً ، فالبراءة العقلية كالبراءة الشرعية جارية في المقام ، فلا تصل النوبة إلى التخيير العقلي.
ثمّ إنّه لا منافاة بين ما ذكرناه ـ من جريان البراءة الشرعية والعقلية ، بل الاستصحاب في المقام ـ وبين ما قدّمناه من المنع عن جريان أصالة الاباحة فيه ، لأنّ أصالة الاباحة أصل واحد لا مجال لجريانها مع العلم بعدم الاباحة في الواقع تفصيلاً ، لما ذكرناه في محلّه من أنّه يعتبر في جريان الأصل عدم العلم بمخالفته للواقع. وهذا بخلاف أصل البراءة والاستصحاب ، فانّه يجري في كل من الوجوب والحرمة مستقلاًّ على ما تقدّم بيانه ، ولا علم بمخالفة كل من الأصلين للواقع ، غاية الأمر أنّه يحصل العلم الاجمالي بمخالفة أحدهما للواقع
__________________
(١) كفاية الاصول : ٣٥٦