فتقع المعارضة بينها وبين ما دلّ على طهارة الآخر ، فتسقطان عن الحجّية على ما هو الأصل في التعارض ، لعدم إمكان شمول دليل الحجّية للمتعارضين ، وشموله لأحدهما ترجيح بلا مرجّح. ولا فرق في ذلك بين كون العمل بالأمارات مستلزماً للمخالفة العملية ، كما إذا كان المعلوم بالاجمال حكماً إلزامياً ودلّت الأمارات على خلافه ، وبين عدم كون العمل بها مستلزماً لذلك ، كما إذا كان المعلوم بالاجمال حكماً ترخيصياً ودلّت الأمارات على خلافه.
وأمّا إن كان الحكم الظاهري مستفاداً من الاصول التنزيلية الجارية في جميع أطراف العلم الاجمالي فمنع المحقق النائيني (١) قدسسره جريانها في جميع الأطراف ، سواء استلزام المخالفة القطعية أم لم يستلزم ، وملخّص ما ذكره في وجه ذلك : أنّ المجعول في باب الاصول التنزيلية هو البناء العملي والأخذ بأحد طرفي الشك على أنّه هو الواقع ، فيمتنع في جميع الأطراف ، إذ لا يعقل البناء والتنزيل على خلاف العلم الوجداني.
هذا ، ولكن الصحيح أنّه لا مانع من جريان الاصول في الأطراف إذا لم يستلزم المخالفة العملية ، بلا فرق بين التنزيلية وغيرها ، إذ الأصل مطلقاً لايترتب عليه إلاّثبوت مؤداه ولا يؤخذ بلوازمه ، فكل من الاصول الجارية في الأطراف إنّما يثبت مؤداه بلا نظر إلى نفي غيره ، وغاية ما يترتب على ضم بعض الاصول إلى البعض هو العلم بمخالفة بعضها للواقع ، ولا ضير فيه بناءً على ما هو التحقيق من عدم وجوب الموافقة الالتزامية.
ونظير ذلك ما التزم به المحقق النائيني (٢) نفسه وغيره من أنّه إذا شكّ المصلّي المسبوق بالحدث في الطهارة بعد الفراغ من الصلاة ، فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٤١٤ ، فوائد الاصول ٤ : ١٤ و ١٥
(٢) العروة الوثقى (المحشّاة) ١ : ٤٥٩ المسألة ٥٣