الماءين مع الاضطرار إلى شرب أحدهما لا بعينه ، فانّ المرتفع بالاضطرار إنّما هو حرمة الشرب لا عدم صحّة الوضوء به ، ففي مثل ذلك لا ينحل العلم الاجمالي بالاضطرار بلا إشكال ولا خلاف ، لبقاء أثر المعلوم بالاجمال في الطرف المضطر إليه بعد الاضطرار أيضاً ، فانّا نعلم إجمالاً ـ ولو بعد الاضطرار ـ أنّ هذا الماء لايجوز التوضي به أو هذا الحليب لايجوز شربه ، وهذا العلم منجّز للتكليف لا محالة ، فلا يجوز التوضي بالماء ولا شرب الحليب. وكذا الحال في مثال الاضطرار إلى أحد الأطراف لا على التعيين ، فانّا نعلم إجمالاً بعدم صحّة الوضوء بهذا الماء أو بذلك الماء وإن جاز شرب أحدهما للاضطرار.
وبالجملة : رفع بعض الآثار لأجل الاضطرار ليس إلاّمثل انتفاء بعض الآثار من غير جهة الاضطرار ومن غير ناحية النجاسة ، كما في الحليب فانّه لا يجوز التوضي به مع قطع النظر عن عروض النجاسة وكونه طرفاً للعلم الاجمالي ، ففي مثال دوران الأمر بين نجاسة الماء والحليب يكون أثر المعلوم بالاجمال قبل الاضطرار عدم جواز الشرب وحده في طرفٍ وهو الحليب ، وعدم جواز الشرب وعدم صحّة التوضي في الطرف الآخر وهو الماء ، وبعد الاضطرار إلى شرب الماء ترتفع حرمة شربه فقط ، ويبقى الحكم الوضعي وهو عدم صحّة الوضوء به بحاله ، فيكون المعلوم بالاجمال ذا أثر في الطرفين ، فيكون العلم الاجمالي منجّزاً لا محالة ، ولا يكون الاضطرار موجباً لانحلاله.
فتحصّل : أنّ الكلام في انحلال العلم الاجمالي للاضطرار وعدمه إنّما هو فيما إذا كان الاضطرار موجباً لرفع جميع الآثار ، كما إذا علمنا بنجاسة أحد الحليبين أو أحد الخلين مثلاً.
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ تحقيق الحال في انحلال العلم الاجمالي للاضطرار يستدعي التكلم في مقامين :