كما اشير إليه بقوله تعالى : «وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ» (١) ولا فرق في هذه الجهة بين التعبدي والتوصلي ، لما ذكرناه في مبحث التعبدي والتوصلي (٢) من أنّ الغرض من الأمر والنهي في كليهما هو الاستناد في الأفعال والتروك إلى أمر المولى ونهيه ، بحيث يكون العبد متحركاً تكويناً بتحريكه التشريعي ، وساكناً كذلك بتوقيفه التشريعي ، ليحصل لهم بذلك الترقي والكمال النفساني. إنّما الفرق بينهما في أنّ الملاك ـ أي المصلحة في متعلق الأمر والمفسدة في متعلق النهي ـ لو توقف حصوله على قصد القربة فهو تعبدي وإلاّ فهو توصلي ، ومع كون الغرض من التكليف الشرعي هو الفعل المستند إلى أمر المولى والترك المستند إلى نهيه لا مجرد الفعل والترك ، لا قبح في الأمر بشيء حاصل عادةً بنفسه ، ولا في النهي عن شيء متروك بنفسه ، إذ ليس الغرض مجرد الفعل والترك حتّى يكون الأمر والنهي لغواً وطلباً للحاصل.
ويشهد بذلك : وقوع الأمر في الشريعة المقدّسة بأشياء تكون حاصلة بنفسها عادة كحفظ النفس والانفاق على الأولاد والزوجة. وكذا وقوع النهي عن أشياء متروكة بنفسها ، كالزنا بالامّهات وأكل القاذورات ونحو ذلك ممّا هو كثير جداً.
والمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّه لا يعتبر في تنجيز العلم الاجمالي عدم كون بعض الأطراف خارجاً عن معرض الابتلاء ، لا في الشبهة الوجوبية ولا في الشبهة
__________________
(١) البيِّنة ٩٨ : ٥
(٢) محاضرات في اصول الفقه ١ : ٥٥١