فانّ التكليف لو كان متعلقاً بالأقل ، فهو مرتفع بالاتيان به يقيناً ولو كان متعلقاً بالأكثر فهو باقٍ يقيناً ، فبعد الاتيان بالأقل نشك في سقوط التكليف المتيقن ثبوته قبل الاتيان به ، فيستصحب بقاؤه على نحو القسم الثاني من استصحاب الكلّي. وبعد جريان هذا الاستصحاب والحكم ببقاء التكليف تعبداً يحكم العقل بوجوب الاتيان بالأكثر تحصيلاً للعلم بالفراغ ، لا أنّه يترتب الحكم بوجوب الأكثر على نفس الاستصحاب حتّى يكون مثبتاً بالنسبة إليه ، بل المترتب على الاستصحاب هو الحكم ببقاء التكليف فقط ، وأمّا وجوب الاتيان بالأكثر فانّما هو بحكم العقل بعد إثبات الاشتغال وبقاء التكليف ، للملازمة بين بقاء التكليف وحكم العقل بوجوب تحصيل العلم بالفراغ. هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال بالاستصحاب للاشتغال.
ويرد عليه أوّلاً : أنّ جريان القسم الثاني من استصحاب الكلّي متوقف على كون الحادث مردداً بين المرتفع والباقي ، لأجل تعارض الأصل في كل منهما ، كما إذا تردد الحدث المتحقق ممّن كان متطهراً بين الأصغر والأكبر فانّ أصالة عدم تحقق الأكبر معارضة بأصالة تحقق الأصغر ، فبعد الوضوء نشك في ارتفاع الحدث المتيقن حدوثه ، لكونه مردداً بين ما هو مرتفع يقيناً وما هو باقٍ كذلك ، فيستصحب الحدث الكلّي. وأمّا فيما لم تتعارض فيه الاصول بل احرز حال الفرد الحادث بضميمة الأصل إلى الوجدان فلم يبق مجال للرجوع إلى استصحاب الكلّي ، كما إذا كان المكلف محدثاً بالأصغر ثمّ احتمل عروض الجنابة له بخروج بلل يحتمل كونه منياً ، ففي مثل ذلك لا معنى للرجوع إلى استصحاب الكلّي بعد الوضوء ، لأنّ الحدث الأصغر كان متيقناً ، إنّما الشك في انقلابه إلى الأكبر ، فتجري أصالة عدم حدوث الأكبر ، وبضم هذا الأصل إلى الوجدان يحرز الفرد الحادث وأ نّه الأصغر ، فلم يبق مجال لجريان استصحاب الكلّي.