المولى أمره بصرف القدرة في امتثال الأهم ، فيكون معذوراً في تفويته. نعم ، لو عصى التكليف بالأهم كان مكلفاً بالمهم بناءً على ما ذكرناه في محلّه من إمكان التكليف بالضدّين على نحو الترتب (١).
وإذا كان الواجبان المتزاحمان متساويين من حيث الملاك ، فلا يعقل تعلّق التكليف الفعلي المطلق بخصوص أحدهما دون الآخر ، لقبح الترجيح بلا مرجح ، فلا مناص من الالتزام بتعلّق التكليف بكل منهما مشروطاً بعدم الاتيان بالآخر أو بهما معاً على نحو التخيير على الخلاف المذكور في شرح الواجب التخييري (٢). وعلى كل تقدير لا إشكال في جواز الاكتفاء بأحدهما عن الآخر لعدم قدرته على أزيد من ذلك في تحصيل غرض المولى ، وأمّا إذا كان أحدهما محتمل الأهمّية فلا إشكال في جواز الاتيان به وتفويت الملاك في الآخر ، لدوران الأمر بين كونه واجباً متعيناً في مقام الامتثال ، أو مخيراً بينه وبين الطرف الآخر. وعلى كل تقدير كان الاتيان به خالياً عن المحذور. وأمّا الاتيان بالطرف الآخر وتفويت الملاك الذي احتمل أهمّيته فلم يثبت جوازه ، فانّه متوقف على عجز المكلف عن تحصيله تكويناً أو تشريعاً ، والمفروض قدرته عليه تكويناً وهو واضح ، وتشريعاً لعدم أمر المولى باتيان خصوص الطرف الآخر ليوجب عجزه عن تحصيل الملاك الذي احتمل أهمّيته ، فلا يجوز تفويته وإلاّ لاستحقّ العقاب عليه بحكم العقل.
وممّا ذكرناه ظهر الفرق بين هذا القسم والقسم الأوّل ، فانّ الشك في التخيير
__________________
(١) محاضرات فى اصول الفقه ٢. ٣٩٩
(٢) محاضرات فى اصول الفقه ٢. ٥ و ٣. ٢٠٧