كانت في العمل المأتي به جهلاً ، لتضادّ المصلحتين ، فالحكم بالصحّة إنّما هو لاشتمال المأتي به على المصلحة الملزمة ، وعدم إمكان استيفاء الزيادة ، والحكم باستحقاق العقاب إنّما هو لأجل أنّ فوات المصلحة الزائدة مستند إلى تقصيره وترك التعلّم ، فلا منافاة بينهما.
وفيه أوّلاً : أنّ التضاد إنّما هو بين الأفعال ، وأمّا التضاد بين الملاكات مع إمكان الجمع بين الأفعال فهو أمر موهوم يكاد يلحق بأنياب الأغوال.
وثانياً : أنّ المصلحتين إن كانتا ارتباطيتين ، فلا وجه للحكم بصحّة المأتي به ، مع فرض عدم حصول المصلحة الاخرى ، وإن كانتا استقلاليتين ، لزم تعدّد الواجب وتعدّد العقاب عند ترك الصلاة رأساً ، وهو خلاف الضرورة.
الثاني : ما ذكره الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدسسره (١) من الالتزام بالترتب ، بتقريب أنّ الواجب على المكلف ابتداءً هو صلاة القصر مثلاً ، وعلى تقدير تركه واستحقاق العقاب على تركه ، فالواجب هو التمام ، فلا منافاة بين الحكم بصحّة المأتي به واستحقاق العقاب على ترك الواجب الأوّل.
وأورد المحقق النائيني قدسسره (٢) على هذا الوجه بوجوه :
الأوّل : أنّ الخطاب المترتب لا بدّ من أن يكون موضوعه عصيان الخطاب المترتب عليه ، كما في مسألة الصلاة والازالة. ومن الظاهر عدم إمكان ذلك في المقام ، لأنّ المكلف إن التفت إلى كونه عاصياً للتكليف بالقصر ، انقلب كونه جاهلاً بوجوب القصر إلى كونه عالماً به ، فيخرج من عنوان الجاهل بالحكم ، فلا يحكم بصحّة ما أتى به. وإن لم يلتفت إلى ذلك ، فلا يعقل أن يكون الحكم
__________________
(١) كشف الغطاء : ٢٧ / المبحث الثامن عشر
(٢) أجود التقريرات ٣ : ٥٧٢ و ٥٧٣ ، فوائد الاصول ٤ : ٢٩٣