أقول : أمّا ما ذكره من المقدمة الاولى ، فهو تام ، لما عرفت في بيان أقسام القطع الموضوعي (١) ، فلا حاجة إلى الاعادة.
وأمّا ما ذكره في المقدمة الثانية ، من أنّ استحالة التقييد تستلزم استحالة الاطلاق ، فهو غير تام لما ذكرناه في بحث التعبدي والتوصلي (٢). وقد أشبعنا الكلام فيه هناك بما لا مزيد عليه. وملخّصه : أنّ التقابل بين التقييد والاطلاق وإن كان من تقابل العدم والملكة (٣) ـ كما ذكره قدسسره ـ لأنّ الاطلاق عبارة عن عدم التقييد فيما كان قابلاً له ، إلاّ أنّه لا يعتبر في تقابل العدم والملكة القابلية في كل مورد بشخصه ، بل تكفي القابلية في الجملة ، ألا ترى أنّ الانسان غير قابل للاتصاف بالقدرة على الطيران مثلاً ، ومع ذلك صحّ اتّصافه بالعجز عنه ، فيقال : إنّ الانسان عاجز عن الطيران ، وليس ذلك إلاّلكفاية القابلية في الجملة ، وأنّ الانسان قابل للاتصاف بالقدرة في الجملة ، وبالنسبة إلى بعض الأشياء وإن لم يكن قابلاً للاتصاف بالقدرة على خصوص الطيران ، وكذا الانسان غير متصف بالعلم بذات الواجب تعالى ، مع أنّه متّصف بالجهل به ، وليس ذلك إلاّلأجل كفاية القابلية في الجملة ، فانّ الانسان قابل للاتصاف بالعلم بالنسبة إلى بعض الأشياء ، وإن كان غير قابل للاتصاف بالعلم بذاته تعالى وتقدّس. وعليه فاستحالة التقييد بشيء تستلزم ضرورية الاطلاق أو التقييد بضدّه ، كما أنّ استحالة الجهل له تعالى تستلزم ضرورية العلم له ، فاستحالة تقييد الحكم بقيد تقتضي ضرورية الاطلاق أو التقييد بضده ، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في بحث التعبدي والتوصلي.
__________________
(١) في ص ٤٧
(٢) محاضرات في اصول الفقه ١ : ٥٢٧ ـ ٥٣٥
(٣) [هذا الأمر مذكور في المحاضرات على سبيل الفرض والتنزّل فلاحظ]