ففي المقام حيث إنّ تقييد الحكم بالعلم به مستحيل لما عرفت من استلزامه الدور ، وتقييده بالجهل به أيضاً محال ، لعين ذلك المحذور ، فيكون مطلقاً بالنسبة إلى العلم والجهل لا محالة في الجعل الأوّلي ، بلا حاجة إلى متمم الجعل. وإذا كان كذلك وقطع به المكلف يستحيل منعه عن العمل بقطعه ، لاستلزامه اجتماع الضدّين اعتقاداً مطلقاً ، ومطلقاً في صورة الاصابة.
وقد ظهر بما ذكرناه فساد ما ذكره من صحّة أخذ القطع بالحكم في موضوعه شرطاً أو مانعاً بتتميم الجعل ، لأنّه متوقف على كون الجعل الأوّلي بنحو الاهمال ، وقد عرفت كونه بنحو الاطلاق.
وأمّا ما ذكره من أنّ العلم مأخوذ في الحكم في موارد الجهر والاخفات والقصر والتمام ، ففيه أنّ الأمر ليس كذلك ، إذ غاية ما يستفاد من الأدلة هو إجزاء أحدهما عن الآخر ، وإجزاء التمام عن القصر عند الجهل بالحكم ، لا اختصاص الحكم بالعالم ، فانّ اجتزاء الشارع ـ في مقام الامتثال بالجهر في موضع الاخفات أو العكس ـ لا يدل على اختصاص الحكم بالعالم ، ويدل عليه أنّ العنوان المذكور في الرواية هو الجهر فيما ينبغي فيه الاخفات أو الاخفات فيما ينبغي فيه الجهر (١). وهذا التعبير ظاهر في ثبوت الحكم الأوّلي للجاهل أيضاً. ويؤيّده : تسالم الفقهاء على أنّ الجاهل بالحكمين مستحق للعقاب عند المخالفة فيما إذا كان جهله عن تقصير ، فانّه على تقدير اختصاص الحكم بالعالم لا معنى لكون الجاهل مستحقاً للعقاب.
وأمّا ما ذكره من ثبوت المنع عن العمل بالقطع الحاصل من القياس برواية أبان (٢) ، ففيه :
__________________
(١) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١
(٢) الوسائل ٢٩ : ٣٥٢ / أبواب ديات الأعضاء ب ٤٤ ح ١