فيشك فيه كما شكّ فيه المجتهد ، كما إذا شكّ في طهارة الماء القليل المتنجس المتمم كراً ونجاسته ، فللمجتهد أن يجري الاستصحاب بلحاظ يقين المقلد وشكّه ، فانّه كان متيقناً بنجاسة الماء قبل التتميم وشكّ في بقائها بعده ، فيجري الاستصحاب في حقّه ويفتي بمؤداه ، وله أن يجري الاستصحاب بلحاظ يقين نفسه وشكّه ، فانّه متيقن بالحكم في حق مقلده شاك في بقائه ، فيجري الاستصحاب ويفتي بمؤداه ، ويرجع المقلد إليه من باب رجوع الجاهل إلى العالم ، إذ لا اختصاص لوجوب رجوع الجاهل إلى العالم بما إذا كان علم العالم مستنداً إلى العلم الوجداني أو الأمارة.
وإن كان الحكم ممّا لا يلتفت إليه المقلّد ، كما إذا لم يكن فعلياً في حقّه ومورداً لابتلائه إلى الآن ، فلا بدّ للمجتهد أن يجري الاستصحاب بلحاظ يقينه وشكّه ، لكونه متيقناً بالحكم في حق مقلده شاكاً في بقائه على ما تقدّم ، وكذا الحال فيما إذا كان الشك مورداً للاحتياط ، كما في موارد العلم الاجمالي بالتكليف فيفتي بوجوب الاحتياط بمقتضى علمه الاجمالي ، وكذا عند دوران الأمر بين المحذورين يفتي بالتخيير ، ويرجع المقلد إليه في جميع ذلك من باب رجوع الجاهل إلى العالم ، لما تقدّم من عدم اختصاص هذا الحكم بما إذا كان علم العالم مستنداً إلى العلم الوجداني أو الأمارة القائمة على الحكم الواقعي.
وقد يستشكل أيضاً : بأ نّه لا يجوز الرجوع إلى الأصل العملي إلاّبعد الفحص عن الدليل على ما هو مذكور في محلّه (١) والمقلد عاجز عن الفحص فكيف يفتي له بوجوب العمل بمؤدى الأصل ، مثلاً البراءة العقلية مبتنية على قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وليس في حق المجتهد احتمال العقاب ليرجع إليها ، والمقلّد عاجز عن الفحص وإحراز عدم البيان حتّى تنطبق القاعدة عليه.
__________________
(١) في ص ٥٦٦ وما بعدها / شرائط جريان الاصول