بل في الشبهة البدوية ، لاستلزامه احتمال الجمع بين الضدّين ، ومن الواضح استحالة احتمال الجمع بين الضدّين كالقطع به ، إذ الجمع بينهما محال ، والمحال مقطوع العدم دائماً. فما به التفصي عن المحذور فيهما كان به التفصي في المقام ، ضرورة عدم الفرق بين الموارد في المضادة بين التكليف الالزامي الواقعي وجعل الترخيص. هذا ملخص كلامه في المقام.
وما ذكرناه هنا مبني على ما ذكره في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري ، من أنّ الحكم الواقعي ليس فعلياً من جميع الجهات مع عدم العلم به ، فلا منافاة بينه وبين الحكم الظاهري ، لعدم كونهما في مرتبة واحدة (١). وعلى هذا الأساس التزم في المقام بامكان جعل الترخيص في أطراف العلم الاجمالي بالتكليف الالزامي من الوجوب أو الحرمة ، إذ عليه لا منافاة بين الحكم المعلوم بالاجمال وبين الترخيص ، لعدم كون المعلوم بالاجمال فعلياً من جميع الجهات ، لعدم انكشافه تمام الانكشاف.
ولكن البناء المذكور ممّا لا أساس له ، لأنّ العلم لا دخل له في فعلية الحكم ، وإنّما هو شرط لتنجزه وقد ذكرنا غير مرّة (٢) أنّه ليس للحكم إلاّمرتبتان : إحداهما مرتبة الجعل والاخرى مرتبة الفعلية. والاولى عبارة عن إنشاء الحكم للموضوع المقدّر وجوده على نحو القضيّة الحقيقية ، كما في قوله تعالى «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» (٣) والثانية عبارة عن فعلية الحكم بتحقق موضوعه خارجاً ، كما إذا صار المكلف مستطيعاً ، بلا دخل للعلم به
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٧٨
(٢) كما في ص ٤٩
(٣) آل عمران ٣ : ٩٧