وهذا الاشكال ممّا لا يرجع إلى محصّل ، لما ذكرناه في محلّه (١) من أنّ المراد بالجزم المعتبر في الانشاء هو الجزم بالاعتبار النفساني من قبل المنشئ ، بأن يكون جازماً بالاعتبار من قبل نفسه لا متردداً فيه ، والتعليق في الانشاء يوجب الترديد من قبل نفس المنشئ في اعتباره النفساني ، فإذا قال : وهبتك هذا المال إن كنت ابن زيد مثلاً ، لم يتحقق الاعتبار منه ، إذ علّقه على أمر لا يدري حصوله ، فهو لا يدري أنّه تحقق منه الاعتبار النفساني أم لا. وهذا هو الترديد المنافي لقصد الانشاء إجماعاً.
وأمّا التردد في أنّ السبب الممضى شرعاً هو هذا أو ذاك ـ كما في موارد الاحتياط في العقود والايقاعات ـ فلا إشكال فيه ، إذ لا ترديد في الانشاء الصادر من المنشئ بل هو جازم به ، غاية الأمر كونه متردداً في أنّ السبب الممضى شرعاً هذا أو ذاك ، فيجمع بينهما.
وبالجملة : التردد في الحكم الشرعي لا ينافي الجزم المعتبر في الانشاء ، بل العلم بعدم إمضاء الشارع لا ينافي الانشاء ، إذ الانشاء اعتبار من قبل نفس المنشئ ولا ربط له بامضاء الشارع ، فلو أوقع الوالد معاملةً ربويةً مع ولده مع العلم بعدم إمضاء الشارع حين الانشاء ، ثمّ انكشف إمضاء الشارع ، يحكم بصحّة المعاملة المذكورة ، وكذا يحكم بصحّة معاملة الكفّار على تقدير اجتماع الشرائط ، مع أنّهم لا يلتزمون بالشرع وإمضاء الشارع أصلاً. فإذا كان الانشاء ممّا لا ينافيه الجزم بعدم إمضاء الشارع ، فكيف ينافيه التردد في إمضاء الشارع.
فالتحقيق : أنّ الاحتياط في العقود والايقاعات ممّا لا ينبغي الاشكال فيه.
وأمّا التعبديات : فمع عدم تنجّز الواقع ، كما في الشبهة البدوية الحكمية بعد
__________________
(١) لاحظ مصباح الفقاهة ٣ : ٥٨ وما بعدها (مبحث التنجيز في العقود)