من الاعتزال ـ بعد ما قضى أربعة عقود من عمره فيه ـ إلى منهج أهل السنّة وبالأخص منهج الإمام أحمد ابن حنبل (١٦٤ ـ ٢٤١ ه) ، وقد دخل جامع البصرة وارتقى كرسياً ونادى بأعلى صوته : أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي ، أنا فلان بن فلان ؛ كنت أقول بخلق القرآن ، وانّ الله لا تراه الأبصار ، وانّ أفعال الشر أنا أفعلها ؛ وأنا تائب مقلع ، معتقد للرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم ومعايبهم. (١)
ولأجل إيقاف القارئ الكريم على حقيقة التوحيد في الخالقية بالمعنى الذي تبنّاه الإمام أحمد وبعده الإمام الأشعري نأتي ببعض نصوصهم.
١. قال الشيخ الأشعري في الباب الثاني من كتاب «الإبانة» في عقائد أهل الحديث :
إنّه لا خالق إلاّ الله ، وإنّ أعمال العبد مخلوقة لله ومقدورة كما قال : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٢). وانّ العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً وهم يُخْلَقون ، كما قال سبحانه : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (٣). (٤)
٢. وقال في «مقالات الإسلاميّين» عند نقل عقائد أهل الحديث وأهل السنّة : واقرّوا : انّه لا خالق إلاّ الله ، وانّ سيئات العباد يخلقها الله ، وانّ أعمال العباد يخلقها الله عزّ وجلّ ، وانّ العباد لا يقدرون أن يخلقوا منها شيئاً. (٥)
٣. وقال في «اللمع» : إن قال قائل : لم زعمتم أنّ أكساب العباد مخلوقة لله تعالى؟ قيل له : قلنا ذلك لأنّ الله تعالى قال : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) وقال :
__________________
(١) وفيات الأعيان : ٣ / ٢٨٥ ، فهرست ابن النديم : ٢٥٧.
(٢) الصافات : ٩٦.
(٣) فاطر : ٣.
(٤) الإبانة : ٢٠.
(٥) مقالات الإسلاميين : ١ / ٣٢١.