يدعوه سابقه إلى لاحقه ، ولا يمنعه بقدرته الإلهية عن استمراره فيه ؛ وإن اختار الشر ، تركه فيه يدعوه سابقه إلى لاحقه ، ولا يمنعه بقدرته الإلهية عن استمراره فيه ، والعبد وقدرته واختياره كل ذلك بمشيئة الله وقدرته وتحت قهره ، ولو شاء لسلب قوة الخير فكان العبد شرّاً بطبعه لا خير فيه ، ولو شاء لسلبه قوة الشر فكان خيراً بطبعه لا شر فيه ، ولكن حكمته الإلهية في التكليف والابتلاء ، قضت بما رسم ، وكان فضل الله على الناس عظيماً.
ومن هنا يتبين أنّ العبد ليس مجبوراً ، لا ظاهراً ولا باطناً ، ولا مجزياً على ضلاله بإضلال الله إياه ، فإنّ هذا أمر تأباه حكمة الحكيم وعدل العادل ، وتمنع تصوّرَه.
القضاء والقدر لا يستلزمان الجبر
وبهذا يكون المؤمنون عمليّين ، لا يعتذر الواحد منهم عن تقصير في واجب بالقضاء والقدر ، فليس في القضاء والقدر إلاّ العدل المطلق ، والحكمة الشاملة العامة ، ليس فيهما إلاّ الحكم والترتيب ، وربط الأسباب بالمسببات على سنّة دائمة مطّردة ، هي أصل الخلق كلّه ، وهي أساس الشرائع كلّها ، وهي أساس الحساب والجزاء عند الله ، وليس فيهما شيء من معاني الإكراه والإلزام. وإنّما معناهما الحكم والترتيب ، فقضى : حكم وأمر ، وقدر : رتب ونظم ، وعلم الله بما سيكون من العبد باختياره وطوعه ـ شأن المحيط علمُه بكلّ شيء ـ ليس فيه معنى إلزام العبد بما علم الله أنّه سيكون منه ، وإنّما هو العلم الكامل الذي لا يقصر عن شيء في الأرض ولا في السماء ، ولا فيما كان وما يكون. (١)
وبذلك تمت المراحل التي مرّت على نظرية الكسب التي شغلت بالَ
__________________
(١) تفسير القرآن الكريم ، للشيخ شلتوت : ٢٤٠ ـ ٢٤٢.