المفكّرين عدة قرون وتركتْ بصماتِها على ثقافة المسلمين وعلى حياتهم بحجة انّ الإنسان مكتوف اليد ، ليس له ولا لقدرته وإرادته أيُّ أثر في حياته.
قال أحمد أمين : غالت المعتزلة ، بحرية الإرادة ، وغلوا فيها أمام قوم ، سلَبُوا الانسانَ إرادتَه ، حتّى جعلوه كالريشة في مهب الريح ، أو كالخشبة في اليمّ. وعندي انّ الخطأ في القول بسلطان العقل ، وحرية الإرادة ، والغلوّ فيهما ، خير من الغلوّ في أضدادهما ، وفي رأيي انّه لو سادت تعاليم المعتزلة إلى اليوم كان للمسلمين موقف آخر في التاريخ غير موقفهم الحالي ، وقد أعجزهم التسليمُ وشلّهم الجبرُ ، وقعد بهم التواكل. (١)
ولو كان الكاتب واقفاً على منهج أئمّة أهل البيت في حرية الإنسان ، وحدود سلطان العقل لأذعن بأنّ المنهج في تحديد الحرية ، خال عن الغلوّ ، وانّه أعطى لكلّ حقّه ، فما عاقه القول بالتوحيد في الخالقية ، عن القول بحرية الإنسان ، وانّ مصيره من حيث السعادة والشقاء بيده ، كما لم يمنعه القول بتأثير قدرة العبد في انتخابه واختياره عن القول بالتوحيد في الأفعال ، وانّ كلّ ما في الكون من دقيق وجليل قائم به سبحانه ، ومفاض منه عبر العلل والأسباب.
لم يزل النقاش والجدال قائماً بين الأشاعرة والمعتزلة على قدم وساق ، وكلّ يتهم الآخر بأشنع التهم ، فالأشعري يتّهم المعتزلي بالشرك وانّ القول باستقلال الإنسان في فعله يستلزم أن يكون لله شركاء بعدد الإنسان وهم عباده المكلّفون ، وهذا يناقض عقيدة التوحيد ، وبرهان الوحدانية ؛ كما أنّ المعتزلة تتّهم الأشاعرة بأنّ قولهم بخلق الأعمال لا يتّفق مع القول بعدله وحكمته سبحانه ، إذ كيف يثاب المرء أو يعاقب على عمل لم يوجده.
__________________
(١) ضحى الإسلام : ٣ / ٧.